اذا كان المتحاورون قد توصلوا الى اقتناع بأن بقاء الرئيس لحود في منصبه بات مشكلة، فهل يتوصلون الى اتفاق على ايجاد حل لها؟

ثمة من يقترح قيام وفد من المتحاورين، على رأسه السيّد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله، بمقابلة الرئيس لحود والطلب اليه التنحي من اجل مصلحة البلاد والوحدة الوطنية وان تناط عند قبوله بذلك صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء الى حين يتم انتخاب رئيس جديد خلفا له اذا تعذر الاتفاق على هذا الخلف قبل التنحي، وذلك وفقا للمادة 62 من الدستور ونصها: "في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء".

واذا كان من صلاحيات رئيس الجمهورية قبل دستور الطائف ان يشكل حكومة ويسند رئاستها الى شخص ماروني، كما فعل الرئيس الشيخ بشارة الخوري بتشكيل حكومة برئاسة قائد الجيش يومذاك اللواء فؤاد شهاب، وكما فعل الرئيس امين الجميل عندما اسند رئاسة الحكومة الى العماد ميشال عون، فان دستور الطائف حَرَمَ رئيس الجمهورية صلاحية تشكيل حكومة الا بعد اجراء استشارات ملزمة، وهي استشارات قد تحول الظروف دون اجرائها اذا خلت سدة الرئاسة لأي علة كانت، فناط الدستور في هذه الحالة صللاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، الا اذا شاء رئيس الجمهورية اجراء استشارات لتكليف رئيس حكومة تأليف وزارة موقتة قبل ان يستقيل كي تشرف هذه الحكومة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ويرى اصحاب هذا الرأي من جهة اخرى انه اذا ما رُبطت استقالة الرئيس لحود بالاتفاق مسبقا على من سيخلفه، وتعذر التوصل الى هذا الاتفاق او طال، فان هذا يبرر بقاء الرئيس لحود في منصبه الى اجل غير مسمى.

وثمة من يرى وجوب التوصل الى اتفاق على الشخص الذي سيخلف الرئيس لحود تجنبا لاحتمال حصول فراغ اذا طال التوصل الى هذا الاتفاق، وان المادة 62 من الدستور، التي ناطت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت، يتم تطبيقها في حال الوفاة او الاستقالة المفاجئة بحيث يصبح متعذرا اجراء استشارات لتشكيل حكومة جديدة. والرئيس لحود اذا ما قرر الاستقالة فانه يستطيع قبل ذلك، ان يجري استشارات لتأليف حكومة جديدة متجنبا الدخول في الاستشارات الملزمة والخلاف على تشكيل حكومة جديدة تناط بها بالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية المستقيل، فمن الافضل والاسلم الاتفاق على الشخص الذي سيخلف الرئيس قبل استقالته.

والسؤال المطروح هو: هل يتم التوصل بين المتحاورين على اختيار المرشح الذي تنطبق عليه الصفات المواصفات التي تشكل قاسما مشتركا بين الجميع ويحظى بثقة الجميع او الغالبية؟

يقول متابعون للحوار الوطني انه اذا كانت النيات صادقة والنفوس صافية بين المتحاورين، فانه يمكن التوصل الى اتفاق على المرشح الذي يخلف الرئيس الحالي بدون حاجة الى ربط اختياره بالموافقة على كل البنود المطروحة على الحوار، حتى اذا صار خلاف على بند واحد منها زال كل اتفاق على البنود الاخرى، ولا ربط ذلك بأي برنامج او شروط لئلا ينتهي الحوار بالفشل فالمهم هو الثقة بالشخص الذي يقع عليه الاختيار والصدقية التي يتحلى بها، اما البرنامج الذي يتضمن تحقيق الاصلاحات وتحديد موقف مسبق من سلاح "حزب الله" ومن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها ومن العلاقات اللبنانية السورية، فهذا ليس شأن رئيس الجمهورية وحده، بل هو شأن الحكومة التي يتم تأليفها بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذه الحكومة هي التي تضع بيانها الوزاري بموافقة الوزراء الذين تتألف منهم وهم يمثلون الاحزاب والكتل الاساسية في مجلس النواب وخارجه.

لقد كانت صلاحيات رئيس الجمهورية قبل دستور الطائف تجعل من الرئيس سلطة اجرائية ولا دور للحكومة والوزراء سوى معاونته، وعندها كان يصبح تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية التزام تنفيذ برنامج معين شرطا لتأييد انتخابه رئيسا، او اخضاعه للامتحان كما كان يحصل احيانا لتقرير القبول به او عدم القبول به رئيسا للجمهورية، اما بعد دستور الطائف، فان رئيس الجمهورية لم يعد هو السلطة الاجرائية انما انتقلت هذه السلطة الى مجلس الوزراء مجتمعا، ومن اجل تحقيق مشاركة كل الطوائف في اتخاذ القرارات، فان الدستور نص على ان يكون النصاب القانوني لانعقاد جلسة مجلس الوزراء اكثرية ثلثي اعضاء الحكومة.

لذلك، فان كل طائفة باتت في وضع يجعلها قادرة على الدفاع عن مصالحها وحقوقها وعن مصالح الوطن من زاوية رؤيتها بصرف النظر عن موقف رئيس الجمهورية الذي لم يعد له حق التصويت كي يبقى حَكَماً وليس طرفا عند حصول خلاف داخل مجلس الوزراء. والدليل على ذلك ما اتخذه وزراء "التحالف الشيعي" في الحكومة الحالية عندما قرروا مقاطعة جلسات مجلس الوزراء احتجاجا على مواقف غير مقبولة منهم، وهذه المواقف كفيلة بحماية حقوق وشراكة كل طائفة في السلطة.

فلا حاجة اذاً الى وضع شروط مسبقة او الزام اي مرشح للرئاسة الاولى يقع عليه الاختيار ببرنامج معين، لأن الحكومة التي يتم تشكيلها هي التي تضع هذا البرنامج وتضمنه بيانها الوزاري ولأن المادة 65 من الدستور تنص على ان السلطة الاجرائية المناطة بمجلس الوزراء، هي التي تضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات (وليس رئيس الجمهورية) وتضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية وتتخذ القرارات اللازمة لتطبيقها، وتسهر على تنفيذ القوانين والانظمة وتشرف على اعمال كل اجهزة الدولة من ادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وامنية بلا استثناء. فاذا كان "حزب الله" يخاف مثلا على مصير سلاحه عند تنفيذ ما نصّ عليه القرار 1559 ولم تعجبه سياسة الحكومة حيال العلاقات مع سوريا او غيرها من الامور، فان وزراء هذا الحزب يهددون بالانسحاب من الحكومة وإحداث ازمة وزارية حادة اذا لم يؤخذ برأيهم، وكذلك الامر بالنسبة الى ممثلي احزاب او طوائف اخرى.

هذا يؤكد ان لا حاجة الى ربط الاتفاق على اختيار رئيس مقبل للجمهورية بشروط او ببرنامج، ولا حتى بالاتفاق على كل البنود المطروحة على طاولة الحوار لأن البند الاول والمهم الذي ينبغي الاتفاق عليه هو البند المتعلق بحل الازمة الرئاسية بأسرع ما يمكن لأن بقاء هذه الازمة بدون حل، من شأنه ان يلحق الضرر الكبير بمصالح الوطن والمواطنين ويبقي على حالة الجمود والشلل في المؤسسات وما يرتب ذلك من تداعيات سلبية في كل المجالات. فليس سوى التعجيل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية ما يفتح الباب لتحسين العلاقات اللبنانية – السورية ويحقق المصالحة العامة ويحصِّن الجبهة الداخلية ويعزز الوحدة الوطنية، ويقيم الدولة القوية القادرة، دولة الحق والقانون والمؤسسات، ويحمي الوطن وسيادته من كل اعتداء ويجعل كل اللبنانيين مقاومة في الذود عن حياضه. فهل يتفق المحاورون على حل مشكلة الازمة الرئاسية، وهي البند الاول الذي يهم كل اللبنانيين. ويتركوا حل البنود الاخرى اذا لم يحصل اتفاق حولها، الى العهد الجديد والحكومة الجديدة؟