كلنا بات يعلم ان سوريا بدأت تشهد تحولات ديموغرافية.. تراجيدية.. مآساة وملهاة والقطار السوري يسير مسرعاً نحو التغيير لا محالة.. سواء شاء النظام السوري ام لم يشأ لأن التغيير يعصف بالبيت السوري من جميع النوافذ والاتجاهات ولا يوجد حل سوى التغيير والمساواة والديمقراطية وأقامة دولة مدنية.. مؤسساتية فينقذ النظام البعثي نفسه من الأنهيار فلا يجوز العبث مع الشرعية الدولية.
ولكي لا نبتعد عن موضوعنا أكثر نتطرق الى الشأن الكردي في سوريا.. هذا الكردي الوطني الذي بات تائهاً.. ضائعاً، يقف في مفترق طرق.. يشعر بمرارة اليتيم وظلم مزدوج لا يفارقه.. ظلم من النظام السوري على مدى اربعين عاماً ولم يتغير شيء وظلم من القوى الوطنية والليبرالية / المعارضة الداخلية / التي تنشد سوريا وبالقومية الكردية التي تشكل ثاني قومية في البلاد الى جانب القومية العربية ( 13% من نسبة سكان سوريا ) وتعتير قضية الأكراد في سورية عبارة عن مشكلة لفئة تسعى نحو الحصول على الجنسية السورية وعلى حقوق ثقافية بسيطة وتتناسى ان الأكراد هم شعب له قومية وأصل يعيش على ارضه ويملك كل المقومات القانونية والسياسية للنضال من أجل هذه الحقوق...

والمصيبة الكبرى من كل هذا نجد ان الأكراد منقسمون فيما بينهم بشأن الخطاب الكردي.. وهذا ما لحظناه في توقيع اطراف كردية على إعلان دمشق 16/10/2005 وأبعاد كتل أخرى وطنية وكردية عنه طبعاً حدث ذلك بإتفاق كردي – عربي.. ولجوء تلك الكتل الى التعاون مع بعضها والجلوس في حوارات ومناقشات حول مضمون إعلان دمشق وكون الأعلان ولد ولادة قيصرية لهذا جاء ناقصاً وضعيفاً ولتدخل تلك الكتل الكردية في حوارات إعلان حلب تلك الحوارات التي جرت في الأسابيع الماضية بمشاركة ( الحزب الديمقراطي السوري – حزب النهضة الوطني الديمقراطي – حزب الديمقراطيين الأحرار- التجمع الليبرالي الديمقراطي العلماني – مركز الشام للدراسات الديمقراطية – الحزب السوري القومي الأجتماعي – لجان إحياء المجتمع المدني – لجان الدفاع عن الحريات وحقوق الأنسان – المنظمة الأثورية الديمقراطية – حزب يكيتي الكردي – حزب أزادي الكردي – تيار المستقبل الكردي ).. حيث بذلت القوى جهوداً مضنية من أجل صياغة مشروع وطني يمكن ان يشكل حلقة تلتف حولها القوى اوطنية الديمقراطية والليبرالية والعمل لبناء دولة سورية حديثة... مدنية على اساس القانون والتعددية والحريات العامة وإنقاذ الشعب السوري من الفكر الأستبدادي والشمولي...
لقد تضمنت مسودة إعلان حلب أنه لا بد من إعادة الأعتبار للشخصية الوطنية والدعوة لصياغة دستور جديد يقر التعددية ويضمن حقوق الأفراد والجماعات ويحول دون هيمنة مكّون على آخر ويتبنى مشروع تغيير جذري ينقل سوريا من دولة أمنية الى دولة مدنية مؤسساتية، برلمانية تتجسد فيها حيادية الدولة ويكون تداول السلطة سلمياً وعبر صناديق الأنتخابات..

أما فيما يتعلق بالقضية الكردية في سوريا فقد تضمن نص مسودة المشروع فقرات تقر بواقع وجود الشعب الكردي إذ جاء فيها ( إزالة كافة اشكال الأضطهاد السياسي والديني وتصحيح اثاره وبشكل خاص الأضطهاد القومي الواقع على الكرد..)..( الأعتراف الدستوري بالتعدد القومي عرباً وكرداً وآشوريين ( سريان) ومكونات اخرى.. وإعتبار القضية الكردية من القضايا الوطنية الملحة التي تحتاج الى حل ديمقراطي عادل.. بما يضمن تمتع الشعب الكردي بحقوقه القومية.. الديمقراطية في أطار وحدة الوطن السوري ) طبعاً حرص الوفد الكردي في الصياغة على ان لا يثير مضمون النص حفيظة الأطراف العربية والحصول على توافق عام قبل ولادة إعلان حلب وظهوره الى النور وكان دون التفريط بالحق الكردي... ولكن خابت امال الأكراد من جديد لأن اطراف عدة من القوى الوطنية رفضت الأعتراف على ادراج مصطلح الشعب الكردي الذي يعتبر للكرد مصدر الشرعية الوحيد لوجود الحركة الكردية ليموت إعلان حلب في رحمه بعد مخاضات وآلآم سياسية وفكرية وثقافية..
المؤسف أن نجد ان القوى الوطنية والليبرالية والديمقراطية ما زالت تنظر الى الكردي بأنه دخيل على سوريا ولا تستوعب ان قضية الأكراد في سوريا هي قضية قومية بالدرجة الأولى لا مشكلة حقوقية بسيطة... إن هذه القوى تحتاج لعقود لكي تتخلص وتتطهر من الأفكار والمعتقدات التي تتلامس مع فكر البعث السوري بشأن اكراد سوريا وأن تسعى لتحويل دعواتها للديمقراطية والتعددية وقبول الآخر من شعارات الى واقع ملموس لبناء دولة سوريا حديثة...

وهكذا نجد الكردي يقف وحيداً.. تائهاً يحمل في حقيبته ألام وهموم ومبادئ.. يحاول ان يطرق كل الأبواب ولكن دون جدوى وحتى يمكن قبوله لا بد له أن يتخلى ويضحي بأشياء كثيرة لا يمكنه الاستغناء عنها أبداً ويبقى هذا الكردي متمسكاً بكل مبدئية بثوابته ( وجود قضية وشعب كردي وحقوق قومية )...
ويبقى البيت الكردي يشهد مخاضات وصراعات سياسية.. حزبية.. إلا انهم قد يتوحدون في لحظة ما ويتناسوا كل الخلافات فيما بينهم وها هم يلمون الشمل ودخلوا في حوار كردي – كردي من أجل تأسيس خطاب كردي واحد وخاصة ان الأحزاب الكردية مشهود لها بانتظامها وخبرتها السياسية والبراغماتية مستفيدة من النجاحات الكردية في العراق وتركيا وقد تنجح تلك الكتل الكردية في إحياء المعارضة السورية الداخلية والخروج بأجندة سورية واحدة وذلك من أجل تحقيق أصلاح ديمقراطي جذري ومباشر وبمشاركة فعلية لكافة الأطياف السياسية في ظل دولة مدنية قانونية بعيداً عن الإقصاء والتمييز.