لأول مرة تنتشر لوحات إعلانية كبيرة في شوارع دمشق تقول: إن الثامن من آذار مارس عيد المرأة العالمي, بعد حوالى أربعة عقود من احتكار العامل والفلاح لهذا اليوم, لمناسبة تكلل فيها شعارات الثورة المباني الحكومية ومحيطها في سائر أرجاء البلاد, وتفيض احتفالاتها بالخيرات والليرات على مقاولي المناسبات, الذين على كاهلهم تلقى مسؤولية تأمين مستلزمات مهرجانات الخطابة والتهليل المبارك, كتخطيط اللافتات وطباعة الصور والأعلام وتجهيزات الصوت والمضافات وحلقات الدبكة الشعبية... إلخ من لوازم رفع ضغط الوعي الثوري, لذا لم يكن ليظن أحد أن تراجع هذا الاحتفاء الوافر الزاخر بالابتهاج والحبور خلال السنوات الأخيرة, سيمهد الطريق لتسلل عيد المرأة العالمي إلى هذا اليوم, فيزاحم الكادحين على الفرح, وتحجز الصالات والمطاعم لإقامة حفلات نخبوية للنساء, تقدم فيها الورود الخالية من الخطابات, كأرقّ تعبير عن شكر تستحقه نساء سوريا, بعد ما يقارب القرن من النضال الدؤوب.
الاحتفال والشكر لا يكفيان إن لم يقترنا بدعم حقيقي, هو بالأساس دعم للمجتمع السوري الذي كان السبّاق عربياً في قبول مطالب المرأة, حيث نالت حق المشاركة في الانتخاب, في وقت مبكر وسجلت اليوم أعلى نسبة تمثيل في مجلس الشعب, كما سبقت نظيراتها العربيات الى كراسي الحكومة, وحازت مساواة كاملة في قانون العمل, والتعليم... إلخ من مكتسبات لا ينتقص من أهميتها, ما بقي لها من حقوق أخرى تؤرق تقدمها, إلا أن الثقة كبيرة بقدرة المرأة السورية على استيفاء كامل مطالبها, من أجل نهضة اجتماعية عامة, يتطلع إليها الجميع.

إلا أننا نرجو ويدنا على قلوبنا ألاّ يكون خروج مظاهر الاحتفال بعيد المرأة الى الشارع, بوادر تسرب مقاولي الاحتفالات الرسمية الى ميدان مناسبات دولية كعيد المرأة, فيتحول من التكريم وإعادة النظر بتجربتها, إلى ابتزاز مبهرج وادعاء كاذب بالدعم, يحرف القضايا الإنسانية عن مسارها, نحو مساومات سوق الحريات الزائفة, والقضايا المستعارة.
كما من المؤسف تزامن عيد المرأة هذا العام مع سيل من النكات والتهكمات فجره القرار الفضيحة لإدارة التلفزيون السوري, الذي يحدد الوزن النموذجي للمذيعة, وفق مقاييس الجمال الغربية المعتمدة في مسابقات الجمال!! فتكون تحية تلفزيوننا للمرأة السورية في عيدها تعريض ممثلتها على الشاشة الوطنية المذيعة لأذى نفسي بالغ, فهي أمام خيارين لا ثالث لهما, إما تنقص وزنها أو تقبع في بيتها لأنها بشعة, ولا تصلح لتكون نموذجاً لنساء سوريا, فهن جميعاً أمهات ومرضعات وحوامل وربات بيوت تقض رشاقتهن مضجع نعومي كامبل, فلا يغفل لها جفن وهي تفكر بسر نحافة السوريات, وعسى أن ترتاح بعد هذا القرار وتحل اللغز المحير, حين تعرف أن رجالاً أشداء وراء ضبط أوزان النساء, ليبقى لنا انشغال البال بالأكثر غموضاً حول أسباب إعلان هذا القرار الفج, إذا ما كان صحوة جمالية طارئة, أم سبيلاً للتخلص من مذيعات ترهلن بالتقادم؟ الحالتان لا تبرران الصمت عن الإساءة التي لحقت بالمذيعات خصوصاً والمرأة السورية عموماً, إذ ليس من دواعي الفخر أن تكون مذيعاتنا مطابقات لمواصفات نجمات الغناء والرقص, بغض النظر عن المضمون والأداء اللائق, وحسب علمنا المتواضع نشرات الأخبار وفترات الربط ليست فيديو كليب, ولا عروض أزياء وجمال وإعلان, وحسب علمنا أيضاً أن التلفزيون الوطني ليس ملهى ليلياً بحاجة الى وضع هيفاوات على واجهته لجذب الزبائن, اللهم إلا إذا كان الهدف تشجيع السياحة.

ثم؛ إذا كان المبرر التيمن بتلفزيونات عربية أخرى كالتلفزيون المصري, فلا بد من التنبيه الى أن الأخير حين منع تغيير المذيعة لون شعرها وبشرتها الطبيعي, كان لوضع حد لهوس التشبه بالجمال الأوروبي, وتحول المذيعات السمراوات الى شقراوات إثر اجتيازهن اختبار القبول, فلا يعدن يشبهن أنفسهن ولا المرأة المصرية! الشبه بالملامح ولون البشرة والشعر, تلك التي يسهل العبث بها بحجة مواكبة موضة التجميل, التي جعلت نساء العالم نسخة واحدة, ولا نعتقد أنه تم وضع قبان على باب الاستديو لوزن المذيعة قبل عرضها على الشاشة, لأن في هذا أيضا ما يلغي التمايز.

من جانب آخر أياً كانت المشاكل التي تعانيها المذيعة السورية شكلاً ومضموناً, من الإجحاف تحميلها المسؤولية كاملة عن ذلك, وتعريضها للاستهزاء السخيف, إذ إن حصر المشكلة باللياقة الجسمانية, يحمل من ضمن ما يحمله, تغافلاً سافراً عن مشكلات مزمنة في انعدام اللياقة المهنية في اختيار كثير من العاملين في الإعلام الرسمي, وتكريس اعتماد مؤهلات التزحلق والتحذلق والتسلق كسبيل لابد منه للوصول, وما يكتسب بالممارسة الطويلة من مهارات في استغلال الفقر المدقع بالحريات وأغلال البيروقراطية والفساد لخوض معارك الالتصاق بالكراسي.
إنه واقع رديء في زمن أردأ, تزيد طينه بلة قرارات تثير السخرية والرثاء معاً, فالتغييرات الايجابية التي حدثت في التلفزيون للتغلب على هذا الواقع, غطى عليها قرار كهذا, تماماً كمن يحلب ويدلق الحليب على الأرض.
يعطيكم العافية بيضتم وجوهنا وأثلجتم صدر المرأة في عيدها, وزدتم أسرارنا السورية تعقيداً, وكرستم نشيجنا: «كل ده كان ليه».