الكورد مقبلون هذه الأيام على حلول الذكرى السنوية الثانية لأحداث الثاني عشر من آذار و الانتفاضة الكوردية التي اندلعت على إثرها و نتيجة لها في كافة المناطق الكوردية في سوريا. و بالرغم من المشاعر المتأججة في الشارع الكوردي حيال مشاهد و تفاصيل ما حدث في 12 آذار 2004 سواءاً تعلق الأمر بالأبرياء الكورد من شهداء و جرحى و معتقلين، أو إرتبط بالمؤامرة الخبيثة التي خططت لها الدوائر السلطوية بهدف ضرب مكونات الشعب السوري ببعضها البعض بغية تأمين أكبر قدر من فرص البقاء و الإستمرارية بالضد من إرادة الشعب السوري، فإن ما نشهده اليوم في الساحة الكوردية من انقسامات و مظاهر التباعد إنما يثير القلق و يدعو الى الحزن و الآسى.

و هو الامر الذي يدعونا بالدرجة الأولى عند قراءة الحالة الكوردية في سوريا الى التوقف ملياً عند هموم الشارع الكوردي و طموحات أبناءه وآفاق المستقبل لدى قواه السياسية في ظل أوضاع داخلية و خارجية، حساسة و خطيرة، تمر بها سوريا منذ أن قرر المجتمع الدولي عدم التسامح مع نظامها السياسي و لا سيما بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري و تجاوزاته السافرة في العراق.
فقد عاش الشعب الكوردي في سوريا هماً مزدوجاً ناجماً من جهة عن استمرار سياسة التنكيل و القمع بحقه من قبل النظام السوري الذي لم تهزه عبرة التجارب الحديثة في المنطقة و على الأخص في العراق بعد أن وجد الكورد في الخلاص من النظام السابق فرصة لتحقيق طموحاتهم القومية و الإنسانية، و عن استمرار تخبط القوى و الأحزاب الكوردية في التعامل حيال الأوضاع المحيطة بسوريا هذه الأيام و عدم قدرتها على الإستفادة من المتغيرات الدولية لصالح تحسين شروط العمل السياسي و خطابه من جهة أخرى.

و عوضاً عن الانتقال من الخطاب الانهزامي و الطفيلي الى الخطاب السياسي العصري المنسجم مع ظروف و شروط المرحلة الراهنة بما تحمل من مفردات و صياغات سياسية و إستراتيجية جديدة تختلف إختلافاً جذرياً عن المراحل السابقة، استمرت الأحزاب الكوردية في تفعيل أزماتها و تبرير استمرار انقساماتها و تشرذمها مؤكدة الرأي القائل في وجود " أزمة بنيوية " في الحركة الكوردية. ففي الوقت الذي عبر فيه الشعب الكوردي في سوريا عن قدر عظيم من الحس القومي، و أبدى آسمى آيات التضحية و المقاومة في سبيل تجسيد وجوده و بقاءه صامداً على أرضه التاريخية بالرغم من كل السياسات الإجرامية للنظام السوري بحقه، فوتت الحركة الكوردية فرصة تحويل 12 آذار كحدث تاريخي في حياة الشعب الكوردي الى انعطافة مفصلية و مصيرية في سياستها و خطابها، الأمر الذي ساهم في زيادة الشكوك حول الهدف من وجودها و بقاءها في ظل ممارساتها الراهنة.

و ليس بعيداً عن الحقيقة القول أن بعد عامين من الانتفاضة الكوردية في 12 آذار ما تزال الهموم و الشجون تتصدر تفاصيل الحالة الكوردية و تزيد من تشاؤم الشارع الكوردي حيالها، جراء استمرار الخطاب الكوردي المنقسم ما بين الأولويات و الهوامش و المتخبط في تحديد أجندته المرحلية و المستقبلية و المنغرق حتى أخمص القدمين في التحزب و تفرعاتها المعروفة تاريخياً، ليس كأداة سياسية نضالية تحمل على عاتقها إيصال هذا الشعب الى بر الأمان، و إنما كمجرد ديكورات مجتمعية كالتي كانت تفرزها التشكيلات الكوردية في عهد العثمانيين تمثل إرادة الكورد عند السلاطين. و لعل ما يحدث هذه الأيام سواءاً في الداخل أو في أوروبا في سعي كل طرف أو محور سياسي كوردي الى إحياء 12 آذار بشكل منفصل و دون سابق تنسيق أو إتفاق مع القوى الأخرى في سياق سباق محموم في بازار المزاودة على دماء و تضحيات الشرفاء، إنما يشكل دليل قاطع على عمق الآزمة المزمنة التي تعيشها الحركة الكوردية و على كافة الصعد السياسية و التنظيمية و الأخلاقية على إعتبار أن الجميع متفق على أن 12 آذار استحقاق شعبي كوردي بإمتياز، كان من واجب الحركة الكوردية احترام ذكراها على الأقل في ظل غياب سعي الى استثمارها و توظيفها لصالح مستقبل القضية الكوردية لتكون نجماً ساطعاً في تاريخ الكورد بمنأى عن ممارسات السياسيين و هرطقتهم.

و ما يجري في هذا السياق لا يقلل من شأن تلك الإرادة الهجينة المركبة من عناصر " صديقة" و " عدوة " في جر الكورد الى الإنكسارات و المزيد من الخيبات التي لم تعد الذاكرة الكوردية حملها. هذه الإرادة التي تحول دون إتفاق الكورد و توحيد كلمتهم و رفع شأنهم في هذا التوقيت التاريخي. فالشارع الكوردي و جماهيره العريضة طموحة و مندفعة الى الأمام بموازاة حركة و مسار التاريخ الكوردي الذي صححه إنتفاضة 12 آذار. فهو من جهة يراهن على قواه الذاتية التي خبرتها الأيام العصيبة في آذار 2004 و تضحيات أبناءه البررة، و يرى من جهة أخرى أن الظروف الحالية مثالية في دفع المسألة الكوردية الى مرحلة جديدة، أكثر تقدماً مما هي عليها اليوم، وما ينقصه، هو خروج الحركة الكوردية من النفق المظلم و و إعلان القطيعة مع أفكار و تصورات الفكر الانهزامي المنغرق فيه، و إحداث نقلة نوعية في خطابها و ممارساتها النظرية و العملية، إنطلاقاً من أن، قضية الشعب الكوردي في سوريا، هي قضية أرض و شعب، تستحق تقديم أعز القرابين من أجلها و لا تحتمل قدسيتها مناقشة أية شكل من أشكال الهرطقة السياسية الفارغة أو تقديم التنازلات الخطيرة عليها لهذه القوى أو تلك.

و الحركة الكوردية، في هذا السياق و تستطيع ممارسة اختلافاتها، إن وجدت، في إطار تآلف خلاق، تضع مصالح و مستقبل الشعب الكوردي فوق كل الاعتبارات، على أساس الإلتفاف و التوحد خلف الثوابت القومية و الإستراتيجية العليا للشعب الكوردي في معركة إدارة الصراع الأساسي مع السلطة الغاشمة في دمشق و و التي تتمثل أولاً : في إعتبار قضية الشعب الكوردي كما أسلفنا، قضية شعب و أرض، ترتكز على إعتبارات تاريخية و جغرافية لا تقبل حلها في إطار المفاهيم و التصورات التي تطرح هذه الأيام، من قبيل المساواة في المواطنة و تفرعاتها القانونية و المدنية و إنما يكمن حلها في إطار القبول بالتعدد القومي و الثقافي من خلال الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكوردي كثاني أكبر قومية في البلاد و ما يترتب على هذا الاعتراف من إلتزامات و موجبات، ثانياً : عدم إخضاع هذه الثوابت لاية توافقات سياسية مع القوى الأخرى التي تصر على الاستمرار في النظر الى المسألة الكوردية من واقع الخطاب السلطوي المتجذر في القوموية العنصرية و الغير إنسانية، و ثالثاً : التركيز على أن سوريا يجب أن تكون الوطن النهائي لجميع أبناءه عرباً و كورداً و باقي الأقليات الأخرى، و الكف عن جعلها محطة تراتزيت في رحلة البحث عن السراب القومي الواهي، عربياً كان أم كوردياً.