نجيب نصير

ذكر أحد المشاركين في الحياة السياسية اللبنانية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي شيئا عن الرئيس كميل شمعون وكان ذلك في عز "زمن مكافحة الشيوعية" الأمريكي حيث ان الرئيس شمعون كان يتلقى مساعدات من الأمريكيان يعطي من بعضها إلى الحزب الشيوعي كي يقوم بمظاهرات يستطيع هو القضاء عليها ليظهر بمظهر المكافح ضد الشيوعية ويستمر الدعم ويستمر الخبط على رؤوس الشيوعيين المناضلين، والكل يعرف البير وغطاه والكل يعرف اللعبة، ولكن الخطير هو منطق التسلية بالعنف والذي لا اعتقد ان الويلات المتحدة الأمريكية لا تعرف محتواه ونتائجه، بعد كميل شمعون ظهرت أفغانستان وتم تمويل الجهاد ماديا ومعنويا وسياسيا لدرجة انه كان من البديهي بالنسبة للأفراد وليس للمؤسسات ان شيء من قبيل 11 أيلول قادم لا محالة.. إذا من أين أتى ؟؟؟ كل هذا العنف من الذي كرسه وسيلة للتفاهم بعد حربين عالميتين مريرتين ؟

انه من التربية العنيفة التي نتلقاها على أيدي المستفيدين منه، حيث يتحول الأداء الغبي للعنيف إلا نتائج للاستثمار القهر والموت، لتتحول الثقافة إلى ثقافة القضاء على بدلا من ثقافة التنافس مع، ربما كانت ثقافة الأمركة هي الأقرب لتجسيد بلاهة العنف الوقحة كثقافة رحيمة ومسلية، لأنها مشروطة بإلغاء الآخر ولكن شرط ان يكون موجودا عبر شيطنته وابلسته وبالتالي فتح الباب أمام الآخر الموجود بالقوة الأمريكية إلى الادعاء بشيطانيتها وابليسيتها، وهكذا تدور الدائرة لتغلق ذاتها عبر عطب تربوي لا يرى إلا مجرمين أمامه وإذا لم يبق هناك من مجرمين عليه اختراعهم وإلا ماذا يفعل بمخزونه التربوي، ان الانتصار الأمريكي الأول هو انصياع الآخر للعداوة لتصبح في موازين الأقوى والأضعف قضية أخلاقية تماما، فالقضاء على الشيطان الذي نصنعه مرتبط بأخلاقياته وليس بأسباب نشوئه كي يستمر إنتاج العدو المشيطن ولو على حساب استمرار البشرية في سعيها نحو الأمان والكفاية.

من هذا الباب يبدو العنف في طرفيه الأمريكي و"الانتي" أمريكي متوازيان ومتآلفان تربطهما مصالح واحدة طالما تعريف الوجود يجب ان يكون منسوبا إلى عدو ما ؟

ماذا تريد أميركا وماذا يريد أعداؤها... ذلك غير مهم طالما ان الطريق يمر عبر الجثث والخوف والدم والدمار، انها دائرة تربوية بدائية تغلق ذاتها على ذاتها ولا ترضى بأقل من الدماء دليلا على عافيتها... وكأنهم يأخذون حياة الآخر... كي تكون حياتهم... انها تربية على كل حال.