بسام القاضي (افتتاحية موقع "نساء سورية") www.nesasy.org

ليس هذا العنوان من باب الإثارة الصحفية التي لم تكن يوماً من أسلوبنا ولا من أهدافنا. وليس تجن على السيدة التي طالما فاخرت سورية، في السنين القليلة الماضية، بوجودها على رأس وزارة تتصل بكل دول العالم! وتقدم، أو من المفترض أن تقدم صورة عن أفضل ما أنجزناه! وليست أيضاً جملة عابرة اصطدناها في ماء عكر، إذ إن الدكتورة الوزيرة لم تسمح لنا بهذا الإحتمال حين بادرت إلى تكرار العبارة مؤكدة إياها بما لا يقبل الشك!

إذ إن الدكتورة بثينة شعبان، وزيرة المغتربين في سورية، التي شاركت في الاحتفالية المميزة التي عقدتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة بمناسبة يوم المرأة العالمي فاجأت الحضور، أو بعضاً منهم على الأقل، بسيل من المفاجآت الغريبة!

تحدثت الدكتورة شعبان في إطار شهادة حية عن تمكين المرأة في سورية. فأكدت أهمية دور المرأة في صنع القرار، ليس في سورية وحسب، بل في كل بلدان العالم. وأكدت أن الموقف من المرأة بات يعد مؤشراً هاماً على تطور موقف الدول من حقوق الإنسان. ولكن..!!

ولكن الذين ينادون في "الغرب" (هذه هي الكلمة التي استخدمتها الوزيرة!) يقولون كلام حق يراد به باطل. فهم أيضاً لم يعطوا المرأة حقوقها. ولكنهم يطرحون ما يطرحون ليخترقوا مجتمعاتنا. و"نحن" (والسيدة الوزيرة لا تقصد الحكومة طبعاً.. بل هؤلاء المغرر بهم الذين يصدقون هذه القضايا ويروجون لها.. ومنطقياً يدخل في هذا الحسبان كل الجهات العاملة في قضايا المرأة بدءا من موقع نساء سورية، ومروراً بجميع الجمعيات الأهلية، وليس انتهاءا بالهيئة السورية لشؤون الأسرة!)، إذا ونحن نصدق ما يطرحون ونروج له!

كانت هذه هي المفاجأة الأولى! أن تصدر عن وزيرة المغتربين، أي الوزيرة التي تمضي جل وقتها متنقلة بين بلد وآخر، أن تصدر عنها تسمية مبهمة هي "الغرب"! بكل الدلالات المضمنة فيه والتي لا تبدأ بأنه "العدو"، ولا تنتهي بأنه "الغريب"!

ولكن الغريب أن الدكتورة شعبان تؤكد أن حال الدول الأخرى ليس أحسن من حالنا. بل إن المشاكل ذاتها التي تعاني منها المرأة في سورية تعاني منها المرأة في العالم! فإذا كان الأمر كذلك، حسب أقوال الوزيرة، فكيف يصح أن ما يطرحونه هو نفاق؟! إنهم إذاً يطرحون مشكلة وتصورات حلول لا تستثنيهم؟! والمتابعون والمتابعات، وكنت أفترض أن تكون الدكتورة الوزيرة على رأسهن بحكم أنها امرأة متمكنة من صنع القرار، وبحكم أن تمكنها يجبرها على علاقة واسعة النطاق مع دول كثيرة لم نسمع أن من ضمنها دولة كرواندا مثلاً، يعرفون أن ذاك "الغرب" لا يتنصل من مشاكله ولا يدعي ما حاولت الدكتورة أن تقوله إياه. وفي الحقيقة فإن ما يكتب عن مشاكل المرأة الأمريكية ومعاناتها من التمييز ضدها سواء في القانون أو المؤسسات أو في الممارسات السلوكية، باللغة العربية وحدها، يعادل جميع ما يكتب باللغة العربية عن قضايا المرأة العربية! فكيف ما يكتب عن المرأة الأمريكية ومعاناتها باللغة الإنكليزية؟! والأمر ذاته فيما يخص فرنسا وبريطانيا مثلاً! وإذا كان كلام الحق ذاك يراد به باطل فيما يخصنا، فهل يراد به باطل فيما يخص مجتمعاتهم أيضاً؟!

المفاجأة الثانية كانت أن الدكتورة الوزيرة أكدت أن بعض النساء "لا يمتلكن الثقة الكافية بالنفس، فيسعين إلى تملق الغرب، وقد التقيت بعضهن في محافل عدة". وطبعا لم تشرح لنا الدكتورة ماذا تعني بعدم الثقة الكافية بالنفس! ولا إن كانت قضية المرأة في العالم، وفي سورية كجزء من العالم، هي أزمة ثقة بالنفس! فإذا كانت كذلك، فالأمر سهل جداً: يكفي مجموعة كبيرة من خريجي علم النفس، وعلم النفس المرضي، وفتح عيادات عامة في كل مكان وإجبار النساء على دورات مجانية إجبارية.. وتنتهي المشكلة! والحل، وفق ما قالته الدكتورة شعبان، هو أن "نأخذ زمام المبادرة بأيدينا ونرفع صوتنا الحقيقي"! ومرة أخرى لم تخبرنا السيدة الوزيرة عن أي صوت حقيقي يجب أن نرفع: هل هو صوت لا لجرائم الشرف مثلاً؟! أم صوت: لا تفضحونا؟! هل هو صوت المرأة الوزيرة التي لا ولايه لها على أصغر أطفالها، وهي والية على كل مغترب أو راغب بالاغتراب في بلد يعد 20 مليوناً والشباب يقف بالطوابير على أبواب السفارات الخليجية والأجنبية فيه؟! أم لعله صوت آخر لا نعرفه؟!

أما المفاجأة الثالثة والأهم، والتي تشكل مفاجأة عيد المرأة في سورية لعام 2006، فهي التأكيد المطلق، المكرر مرتين: "أنا لست مع مساواة المرأة بالرجل، أنا مع التكافؤ!" أنا لست مع مساواة المرأة بالرجل، أنا مع التكافؤ!". لكأن السيدة الوزيرة تعرف جيداً مدى خطورة وأهمية ما تقوله، فلم ترغب بالسماح لأحد كان أن يسيء فهمها!

ونحن لم نكن نرغب أبداً في إساءة فهمها! لكننا رغبنا حقاً لو أننا لا ننطق بالعربية ولا نفهم هذه اللغة! حتى لا نسمع مثل هذه الكلمات تصدر عن امرأة في هذا الموقع!

طبعاً لم تقل لنا الدكتورة الوزيرة عن أي مفهوم للمساواة هي ليست معه؟ ولم تترك لنا وقتاً لنسألها! فما أن انتهت كلمات الجالسين على المنصة حتى انسحبت من القاعة هي والأستاذة سعاد بكور رئيسة الاتحاد العام النسائي في سورية، ومعهما عدد وافر من الحضور الذين أتوا، فيما يبدو، ليشاهدوا السيدتين! لا ليشاركوا في ندوة شهد الجميع على أنها كانت مميزة، بل وتشكل نقلة نوعية بالمقارنة مع الندوات التي سبق أن عقدتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة في مناسبات عدة.

لم تقل لنا أي مفهوم للمساواة تتحدث عنه! ولكننا لن نقبل منها أي عذر لأي مفهوم خاطئ. نقبل مثل هذا العذر من جاهل، أو من شخصي بعيد عن الاهتمام، أو شخص غير مسؤول، أو شخص جديد على هذا النشاط.. أما من وزيرة على مستوى الدكتورة بثينة شعبان، فليس من الممكن قبول أي تفسير لكلمة المساواة سوى تفسير واحد وحيد هو المعروف عالمياً: إنها المساواة في القوانين! فهل هذا ما تريده السيدة الوزيرة؟!

بالتأكيد هذا هو فحوى كلامها. إنها لا تريد مساواة بل تكافؤ! لعل الدكتورة الوزيرة لا تعرف أنه ليس في القانون مفهوم يدعى "التكافؤ"! التكافؤ هو حكم قيمة ينجم عن قوانين تحفظ المساواة. قوانين لا تأخذ بالحسبان سوى الكفاءة. قوانين تلغي أي اعتبارات تتعلق بالجنس أو اللون أو الشكل أو العقيدة أو الانتماء الديني والطائفي والقومي و.... وتعتمد فقط على الكفاءة. قوانين تعتمد على أن معايير الكفاءة هي الوحيدة المعمتدة في هذا الأمر أو ذاك. فكيف يكون "التكافؤ" في القانون؟!

هل تستطيع الدكتورة الوزيرة أن تقول لنا كيف يكون التكافؤ في: قانون الجنسية، قانون معاقبة الزاني والزانية، قانون السماح للمغتصب بالإعفاء من العقوبة إذا تزوج من ضحيته، قانون ولاية الرجل وعصبته من الذكور حصرا على الأولاد، قانون الحضانة، قانون الطلاق..... وغيرها وغيرها وغيرها؟!

التكافؤ هو المحصلة العملية التي تنجم عن مساواة بالقوانين، بعد أن تدخل هذه المساواة في عقلية وآليات المؤسسات والجهات والأفراد المعنيون بها. وليس أي شيء آخر!

أما أن تكون الوزيرة، وهذا مستحيل، قد عنت المساواة بالمعنى المبتذل الذي يصر العارفون على جره إليه لأهداف تخصهم، وهي المساواة في العمل في سوق العتالين مثلاً.. فهذا ليس إلا مماحكة ليس لدينا ما نرد عليها به!

عذراً د. شعبان، مع احترامنا الشديد لتجربتك الشخصية في موقع صنع القرار، وتجربتك الشخصية كامرأة، وقناعاتك وآرائك، فإن ما قلتيه شكل صدمة كبيرة لجميع المهتمين بشأن المرأة في سورية. صدمة زاد من وطأتها أنها قيلت في يوم المرأة العالمي المكرس للمرأة في مواقع صنع القرار! وإذا كانت وزيرة تحمل مثل هذه القناعات، فأي دور ستلعبه في سياق خدمة قضايا المرأة؟! خاصة في مجال تمكينها من مواقع صنع القرار؟! وهل تعرف السيدة الوزيرة أنها تدين بوجودها في هذا الموقع لقانون لا يعترف، في هذا الأمر، بعدم المساواة بين المرأة والرجل؟! وهل تعرف أن متابعة رأيها تعني تعديل قانون الانتخابات باتجاه وضع نص صريح يقول أن السلطة التنفيذية هي حق حصري للرجل؟!

طبعاً، ليس هذا كل ما قالته الوزيرة د. بثينة شعبان في مداخلتها التي قدمت على أنها شهادة حية عن امرأة في مواقع صنع القرار. ويمكنكم متابعة التغطية الكاملة للندوة في صفحتها الخاصة على هذا الموقع.