يعيش الوطن العربي ما يمكن اعتباره واقعا غير واقعي أو خارج التاريخ(الحافظ ,العروي). فهو ينتسب ببناه الى الماضي ,الى ما قبل الحداثة, بينما التاريخ الواقعي هو تاريخ الحداثة. العرب يعيشون خارج التاريخ, خارج دائرة الفعل و المبادرة, هم متأثرون وليسوا مؤثرين.

هذا الفوات الحضاري (الحافظ) هو نتاج النظام العالمي وجزء بنيوي من تركيبه, فالنظام العالمي هو نظام غير متكافئ , وقائم على انتاج واعادة انتاج تفاوت بنيوي بين أجزائه لضمان استمرار الوضع لمصلحة الأقوى.

هذا الفوات سمة يشترك بها كل الوطن العربي بدون استثناء, لكن هناك واقعا اخر يميز سوريا عن باقي الوطن العربي, فسوريا تعيش واقعا غير واقعي مرتين, الأول هو الذي ذكرته والثاني هو دولتها (أو نظامها السياسي فهنا لا يوجد فرق). سوريا لا تحيا الواقع الحالي بل تنتمي الى حقبة انتهت ولكنه (النظام ) مازال مستمر, لشروط داخلية (انحلال المجتمع السوري وتشظيه- غياب السياسة) أو خارجية وهي الأهم (غياب رغبة دولية في انهاء النظام أو عدم وجود البديل)

ما يميز تناقض سوريا الحالي هو انه ليس ضرورة بنيوية انما شذوذ يجب الغائه.

الواقع يفرض على الدول اليوم شكل معين من الديمقراطية السياسية و المشاركة السياسية لفئات مختلفة, استبعاد السياسة والتغييب القسري للمجتمع لم يعد امر مقبولا, طبعا ظهور اشكال الديمقراطية منذ أوائل التسعينيات لايتعلق بالديمقراطية بحد ذاتها,حيث نلاحط تحولا في مراكز القرار والحكم, الديمقراطية تحيل الى الدولة (السلطة الموجودة هناك) لكن اليوم تصبح الدولة أكثر اهتراء وأقل فعالية وسلطة, مراكز التحكم والقرار تتحول اليوم الى أماكن اخرى (البنك الدولي- صندوق النقد الدولي- والشركات متعددة الجنسية....) وهذا كله يهدف في النهاية الى تأمين سيادة النخبة وهيمنتها.

هذا ما جعل الديمقراطية ( أو أشكال الديمقراطية)ممكنة وهو أيضا ما جعل الدفاع عن الديمقراطية الحقيقية ومحاولة اعادة الاعتبار للدولة كمركز للقرار مسألة شعبية وديمقراطية وليس مسالة استبداد وشمولية.

لكن سوريا تبقى بعيدة عن كل هذا, الدولة هي مصدر كل سلطة وبعيدة عن اي رقابة شعبية, دولة بلا سياسة وخارج الاقتصاد العالمي (لحد معين)

هذا الشذوذ لا يمكن له أن يستمر, لكن ما احتمالات انتهائه

انفتاح الدولة على الشعب وبالتالي مصالحة مع العصر ديمقراطيا من أجل ممانعة حقيقية ولكم هذا الاحتمال يبدو بعيدا

الاحتمال الثاني هو انفتاح الدولةعلى الخارج وبالتالي مصالحة مع العصر اقتصاديا وربما يستدعي هذا وخلال الفترة الأولى استعادة الدولة القوية (تجاه شعبها) ولكن بعد فترة من الزمن انفتاح سياسي ولكن بعد ان تكون السلطة الحقيقية أصبحت خارج الدولة, وربما هذا الاحتمال الأرجح ومصر تشكل مثالا يحتذى

تغيير من الخارج على شاكلة العراق وهذا مستبعد

ضمن هذه الاحتمالات يكون هناك فاعلان, الدولة (النظام| الحزب| السلطة لا فرق) والعامل الدولي, أي أن الشعب يبقى بعيدا عم أي مشاركة في تقرير مصيره.

ان مواجهة هذه الخيارات تستدعي استعادة الشعب الى السياسة, لكن هذه الاستعادة غير ممكنة بدون اعادة الاعتبار لفكرة السيادة الشعبية, الدولة كمركز للقرار والسلطة في مواجهة تفريغها وتهميشها, الديمقراطية كسلطة الشعب وليس فقط تداول على السلطة, وأهم من كل هذا اعادة الاعتبار لفكرة الشعب (أو أسطورة الشعب) وليس الأقليات والمكونات ,أي تثبيت التشظي كواقع.

لكن كل هذا يعيدنا الى القضية الأس وهي كوننا نعيش واقعا غير واقعي.

الأكيد أن سوريا لن تبقى على حالها ولن تستمر طويلا في شذوذها, ولكن ان أراد السوريون ان يساهموا في مستقبل سوريا سيكون عليهم ان يحلوا تناقضهم الأساسي, أن يعودوا الى الواقع, الى التاريخ (أو أن ينجزوا حداثة مضادة ولكن حتى الان لا يوجد عندنا زاباتيستيون) أو اننا نرى اليوم مستقبل سوريا في حاضر مصر.