جيم هوغلاند (واشنطن بوست 4/3/2006)

بدأ ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا قوة في الوقت الحالي لذلك سوف تهيمن آسيا على القرن الحادي و العشرين كما هيمنت الولايات المتحدة و أوروبا على العالم خلال فترات أوجهما، هذا ما نقوله نحن جميعاً و يشير إليه الجميع تقريباً خلال الندوات الدولية و مؤتمرات القمة و كتابات المراقبين و المعلقين .

بزوغ آسيا أصبح موضوع الساعة، حتى و إن كان شيئاً محظوراً، و يتم تعديل هذا الوصف من وقت لآخر لكي يجعل الهند و الصين القوتين العظميين في المستقبل بدلاً من القارة الآسيوية برمتها، و هناك الكثير من الأدلة الإحصائية و الروائية التي تعزز هذه الزعم.
يبدو أن معدلات النمو الكبيرة التي حققتها الصين و الهند،و ظهور الصين كأكبر مركز صناعي في العالم تؤكد أن التحول التاريخي للقوة والقيادة بدأ يتحقق بالفعل، و لكي تتأكد أن أوروبا و الولايات المتحدة بدأتا يتركان مكانهما كقوى عظمى لدول الشرق ينبغي عليك أن تنظر إلى العرض الذي تبلغ قيمته 32 بليون دولار أمريكي الذي تقدمت به شركة لكشمي ميتال الهندية خلال الشهر الماضي لشراء شركة أرسيلور التي تعد أكبر شركة أوروبية لصناعة الصلب.

و قد استوقفني الجدل الدائر بين أنصار النزعة الحمائية الأوروبيين الذين أعربوا عن معارضتهم للعرض الذي تقدمت به شركة ميتال لذلك بدأت أفكر في كتابة هذا المقال لأشرح للقارئ حلقتين من رواية بزوغ آسيا حدثتا في وقت واحد.

الحلقة الأولى هي الضعف الاقتصادي المستمر في أوروبا التي تعاني من انخفاض حاد في معدلات المواليد علاوة على تشدد وتصلب الأسواق في العديد من دولها الكبيرة فيما تشهد آسيا نمواً اقتصادياً كبيراً.

أما الحلقة الثانية من القصة فتتعلق بإحلال الشركات الأمريكية الكبيرة في الخارج ، و مثال ذلك شركة ميتال التي تعتبر أكبر شركة لتصنيع الحديد الصلب على مستوى العالم أجمع.

وبالمثل هددت شركة بيبسي كولا الوظائف و الأصول الأوروبية خلال العام الماضي عندما حاولت شراء مجموعة دانون( على الرغم من أن الصفقة لم تتم) و خلال العام الحالي أثارت شركة هندية متعددة الجنسيات نفس المخاوف و وقفت الى جانب أنصار النزعة الحمائية الذين يطالبون بعدم السماح لشركة ميتال بشراء شركة أرسيلور التي تتخذ من لسكموبورج مقراً لها.

لذلك هل تسعى الشركة الهندية الجشعة إلى استعرض عضلاتها لكي تتفوق على الأمريكيين الجشعين أيضاً في لعبة القوة،يبدو أن الأمور ليست بهذه البساطة، إن شركة ميتال تتخذ من هولندا مقراً لها و تلعب دوراً كبيراً في أوروبا التي ما زالت تعتبرها سوقاً مربحاً.

تسعى شركة ميتال إلى شراء العديد من الشركات الضعيفة في أوروبا و في أماكن أخرى و تعمل على تطويرها و تحديثها و يتم ذلك أحياناً في إطار شراكة مع شركة ثيستكروب الألمانية لذلك من المتوقع أن تتجسد النتيجة النهائية لقيام شركة ميتال بشراء أرسيلور في انتشار قوتها في أوروبا و آسيا بدلاً من تركزها في أيدي الآسيويين فقط .

قد يحدث نفس الشيء في مجال القوة العسكرية في القرن و العشرين أيضاً فمن الممكن أن تظهر قصة جديدة لبزوغ آسيا على خلفية الأخبار التي تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تحث الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلنطي الناتو في مؤتمر قمة ريجا في نوفمبر المقبل على دعوة استراليا و اليابان و كوريا الجنوبية لكي يصبحوا" شركاء عالميين " في الحلف، و قد تحصل الهند وبعض الدول الآسيوية على هذا الوضع في المستقبل.

يمكن للمرء استبعاد رؤية وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حول أوروبا القديمة، حيث تسعى الولايات المتحدة حالياً إلى استبدال شركائهما الأوروبيين الذين يتسمون بالضعف من الناحية السكانية و السياسية بشركاء جدد أكثر قوة من مركز القوة الجديد في العالم و هذه أشياء رمزية أكثر من كونها أموراً جوهرية.

ذلك لأمر واحد و هو أن اليابان – القوة الآسيوية التي يتم تجاهلها حالياً – سوف تستخدم خبراتهاو قدراتها و مواردها لنشر قوتها في المنطقة و للمحافظة على النفوذ الأمريكي فيها.

المنطق وراء ذلك يتمثل في حقيقة أنه ليس من مصلحة اليابان أن تتركز القوة في أيدي جيرانها الإقليميين سواء تم بصورة جماعية أو فردية.

لعبت اليابان – تحت قيادة رئيس وزرائها جونشيرو كويزومي – دوراً هاماً في ممارسة لعبة تحقيق التوازن بين الصين و الهند وذلك بإرسال قواتها إلى العراق وأفغانستان وتقديم مبالغ كبيرة لجهود إعادة الإعمار في البلدين و ذلك لدعم الأهداف الأمريكية.

إن تاريخ طوكيو من التعاون الأمني الوثيق مع واشنطن قد يعني بالنسبة لليابانيين أن القوة الأمريكية فقط هي التي يمكنها تحقيق الاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط و وسط آسيا، اللذين يعتبران من أكبر مصدري الطاقة و مستوردي الأمن و قد توصلت الهند ثاني أكبر ديمقراطية في آسيا إلى نفس النتجية.

هذه قصة تنطوي على حكمتين أولهما، أنه يبغي على المرء أن لا يثق في الرموز التي تتناسب مع نظريات استراتيجية شائعة.

أما الحكمة الثانية فتمثل في أن انتقال القوة العظمى قارياً أصبح أمراً مؤكداً الآن شأنه شأن مفهوم نهاية التاريخ المعروف الذي كان سائداً خلال العقد الماضي، لا يوجد خط مستقيم إلى الهيمنة الأحادية القطب الجديدة في العالم حيث يكون تفتت قوة الدولة هو الأمر الشائع في كافة المناطق، أن هذا الوضع سوف يكون أكثر تعقيداً غداً عما هو عليه اليوم.