من أجل الشعار أعلاه – عنوان المقال – أكلنا ضربا حتى شبعنا. البعض منا "سُحل" وأدمي، والبعض الأخر طورد حتى الشوارع الخلفية لقصر العدل، وآخرون كانوا يحاولون بدبلوماسية جمة، إقناع الطلبة الثائرين بأننا أخوة لهم، والبعض هم في سن آبائهم، وفات هؤلاء الدبلوماسيين أن أصواتهم غير مسموعة وأن الدبلوماسية تنتهي عندما تدق طبول الحرب.

لم يزج النظام السوري بكل قواته في معركة قصر العدل يوم الخميس 9/آذار /2006 ، بل حافظ على جهوزية قواته كاملة، واضعا إياها على أهبة الاستعداد، مكتفيا بزج فرقة واحدة فقط، هي ميليشياته البعثية، للانقضاض على جمهرة من المعارضة الوطنية الديموقراطية – إعلان دمشق –، جاءت إلى المحور المذكور لتعلن رفضها لقانون الطوارئ والأحكام العرفية، وتغييب الحريات، وقمع وسحق المواطن السوري. جاءت إلى المكان المذكور لاتحمل معها من سلاح إلا حناجر أخرسها الاستبداد، ووجوه غلفتها الصفرة، بفعل سنوات الاعتقال المديدة وأقدام تجر وراءها خيبات وطن سرق منه حلم أبناءه. ارتعد النظام من تلك الأسلحة. فالخرس وان لم يكتب كعلامة فارقة في هوية كل سوري، لكنها يجب أن تبقى مضمرة دائما والغالبة في هويته، والصفة الأبرز. والصفرة، لا يريدها النظام السوري أن تتحول إلى أخضر، فربيع سورية سيؤذن بزواله، والأقدام لايريدها نظام، عُرف بفاشيته وديماغوجيته إلا وئيدة، بطيئة، متعثرة، ولن يتوانى إن استطاع قطعها.

ضباط من رتب عالية – عميد، عقيد – استجدينا فيهم سوريتهم: "احمونا فنحن سوريون مثلكم" وهؤلاء صبية غررتم بهم وهم أخوتنا وأبناءنا !!

لم يصل إلينا منهم إلا ضحكاتهم وسخريتهم وشماتتهم.

قلنا لنحتمي بقوات "حفظ الأمن والنظام" والتي تكدست في "باصاتها " تراقب سير المعركة. قالوا لنا اذهبوا إلى "ضباطنا" فالأوامر تمنعا من التحرك. قلنا لهم: ولكن أنتم المعنيون بدرء الفوضى ومنع الاقتتال، وكل الشوارع المؤدية والمفضية إلى "قصر العدل" باتت "فوضى". السير قد توقف والطلبة الهائجون يسحلون المعتصمين وينكلون بهم. ولكن لا حياة لمن تنادي.

الله سوريا بشار وبس. كانت عالية ومؤذية ربما وصلت الى "قصر الروضة". في جانب منهم ضيق حتى الاختناق أطلقنا: الله سوريا حرية وبس. خجولة خائفة مترددة كانت في البدء, ثم يتعالى الصوت رويدا رويدا حتى يغطي سماء دمشق كلها.

أجمل المفارقات في الاعتصام المذكور رواها "مدرس" غزا الشيب شعره يقول: تفاجئت بهم وتفاجئوا بي وعندما التقت أعيننا أطرقوا واستداروا .

لم يتوقعوا أنهم سينهالون بالضرب على "معلمهم ومدرسهم". خدعوهم وغرروا بهم، وحشوا أدمغتهم، بكل الأكاذيب، من مثل أننا عملاء ويهود وأمريكان وخونة. وإذ بهم يكتشفون أننا آبائهم وأخوتهم وجيرتهم ولا تدل ملامحنا الرثة أننا قبضنا من الأمريكان .

في فلم أحمد زكي "الصرخة" حيث ينصبونه سجانا على مجموعة من معتقلي الرأي والضمير في أحد معتقلات النظام المصري زارعين في دماغة الذي استولوا عليه أن هؤلاء الحثالة هم خونة ولصوص ومتآمرين على الوطن ولك أن تجرب فيهم كل صنوف وفنون التعذيب . لم يقصر فيما أمروه فيه دافعه في ذلك حبه الشديد لمصر وكرهه للخونة والمأجورين. ينقلب بطلنا بعد ذلك رأسا على عقب ويصبح معارضا صلبا عندما يكتشف هول الكذبة الكبيرة التي انطلت عليه حينما يأتون إلى المعتقل بجاره الذي يعرفه أكثر من نفسه ويعرف مقدار وطنيته وغيرته على مصر وشعب مصر .