يجري الحديث راهناً وبكثافة في الأوساط السياسية عن التغييرات المحتملة في سورية قد تطال قضايا مهمة متصلة بمستقبل هذا البلد. ومن الأهمية الإشارة إلى أن المجتمع السوري يتكون من طيف متعدد : عرب، أكراد، آشوريون (سريان)، أرمن، تركمان، طيف وجد بكل غناه وثروته الثقافية منذ أن وجدت هذه البلاد التي كانت مهد الضارات، غير أنه لم يعش بلا منغصات وانكسارات مردها إلى تسلط طرف من هذا الطيف بـ "كل" أيديولوجيته القومية الاستعلائية الذي أصيب طويلا بداء العظمة منذ أكثر من ألف عام لدرجة أن الأطراف الأخرى من هذا الطيف غابت في سبات عميق وغاب معها الجزء الأكبر من ثقافتها ولغتها، وقد يكون الآشوريون – موضوع البحث - نالوا النصيب الأكبر من هذا التغييب القسري، فثقافة كالثقافة الآشورية (السريانية) بكل ثقلها الحضاري ذابت عمداً في الثقافة العربية في إعلامها ومناهجها المدرسية والجامعية، وألحق بها الضرر انطلاقاً من أيديولوجيا اقصائية تتلفح برداء تارة ديني وتارة أخرى قومي، هذا الضرر تمثل في أن الكثير من الآشوريين قد استعربوا أو باتوا يتنكرون لقوميتهم بفعل عوامل عديدة أهمها التذويب والخوف من الآخر المستبد. وبالنتيجة فان معقولية التنوع ترفض الفكر المبني على الهيمنة والغطرسة والشمولية إنما تأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعوب في التعبير عن نفسها بعيداً عن النظرة الوحدوية الضيقة التي لا تتماشى مع قيم وأفكار العصر. ومن هنا فإن طرح مسألة التنوع في التفكير والممارسة يمكنها أن تقضي على أساليب الفهم البالية التي تختزل الآخر وحمولته الثقافية اختزالا تعسفياً لصالح نموذج أحادي كلياني.

وقراءة في المشهد السياسي السوري بأحزابه البعيدة عن دائرة السلطة، التي تتبنى المشروع الوطني الديمقراطي، نجد أن هناك تجاهلا ربما مقصوداً للآشوريين عندما يتعلق الحديث بالطيف السوري أو بالاستحقاقات السياسية إذ يتم الاكتفاء بحقوق الأقليات من غير تسميتها، وهذا ما بدا واضحاً – على سبيل المثال - في مسودة الدستور الذي أعدها المحامي أنور البني مؤخراً، وقد خلا هذا الدستور من أي إشارة إلى الآشوريين الذين يشكلون الأصول التاريخية لهذه البلاد كما يشكلون القومية الثالثة في سورية بعد العرب والأكراد بل واكتفى بعبارة: الأقليات الأخرى. ومن الأهمية الإشارة إلى أن حقوق الشعوب لا تقاس بالأقلية أو الأكثرية، لابد من المساواة في هذه الحقوق عندما يتعلق الأمر بالحقوق والحريات الديمقراطية وتجنب الاستعلاء بشقيه القومي والديني وإلا سنعود إلى المربع الأول المتمثل بذهنية أصولية راديكالية رجعية تقليدية تمجد الذات وتقدس التاريخ والتقاليد وتؤمن بالاطلاقيات والمسلمات تحن للماضي وتنظر إليه نظرة شمولية شوفينية لا تعترف بوجود الآخر كما حدث للمسيحيين الآشوريين تحت حكم دولة الخلافة الإسلامية المتعاقبة وصولا إلى الدولة القومية العربية الحديثة. كيف يستوي الحديث عن سورية ديمقراطية تعددية في وقت بجري الحديث عن تجاهل للآشوريين عمداً ؟ الديمقراطية نظام يسلم بالتعددية والتنوع والاختلاف بل هو بديل عن كل استبداد، فالدفاع عن حق الاختلاف هو شرط أولي لتأسيس تقاليد الحوار، ولقيام المشروع المبني على الوفاق العام بين كل الأطراف مع ضمانات لحرية الرأي والمشاركة.

يتوزع الآشوريون في سورية في منطقة الجزيرة، مدن الحسكة وقامشلي وقحطانية ومالكية وأريافها وقلة في المدن السورية الكبرى مثل دمشق وحلب، مازال القسم الكبر منهم يتحدث اللغة الآشورية (السريانية)، لغة بابل وآشور القديمة. هاجر أعداد مهمة إلى الخارج بسبب ظروف قاسية من الاضطهادات المعروفة في بدايات القرن. شعب مسالم ينزع إلى العيش في ظروف من الحرية والتسامح والعدالة الاجتماعية، يتصالح مع قيم العصر منفتح ومتسامح مع باقي الهويات ومتأقلم مع التغيرات..كما ينزعون إلى الحصول على حقوقهم على قدم مساواة مع الآخرين بعيداً عن كل أشكال الاستعلاء الديني والقومي والسياسي..