بدعوة من مديرية الثقافة بحلب، وتحت عنوان: العنف والنظرة الاجماعية للمرأة وجرائم الشرف، أقيمت ندوة في قاعة المحاضرات بمبنى المديرية شارك فيها كل من الأستاذة محمد أديب ياسرجي أستاذ التربية الإسلامية وصاحب دار فُصّلت للدراسات والترجمة والنشر، وهاني خوري المدير العام لمركز الرضا للكمبيوتر، وبسام القاضي المشرف على موقع "نساء سورية"، ومحمود الوهب عضو مجلس الشعب.

قدم للندوة وأدارها الأستاذ محمود الوهب. وأشار إلى خطورة هذا الموضوع، راجيا أن يؤخذ الحوار على أنه تبادل لوجهات النظر بعيدا عن الحساسيات. وأكد أن وضع المرأة هو المقياس الأكثر دقة لقياس مفهوم الحضارة في مجتمع من المجتمعات. وأكد أن هناك هوة في مجتمعنا بين المنظومات الشرعية والفكرية وما يجري على الوقع. طارحا السؤال الأول على الأستاذ بسام القاضي عما دعا الموقع إلى إطلاق هذه الحملة الوطنية الواسعة حول جرائم الشرف.

قال الأستاذ القاضي أن جرائم الشرف هي واقع في مجتمعنا تمارس في كل مكان دون رادع. وإغماض العين عنها لا يخفف من أثرها، ولا يبرؤنا منها. ولذلك لا بد من طرح المشكلة على نطاق البحث الواسع. والهدف الأول هو هذا الحوار الذي تعبر عنه الندوة هذه والندوات الأخرى التي عقدت في السياق ذاته. كما أن إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري، خاصة بعد أن أكد رجال الدينين المسيحي والإسلامي في سورية أنها تتعارض مع الشرائع السماوية، هو هدف آخر لا يقل أهمية.

ثم وجه الأستاذ الوهب سؤاله الثاني إلى الاستاذ هاني الخوري حول الهوة بين المنظومات التشريعية والفكرية وبين ما يجري على أرض الواقع.

فقال السيد الخوري أن الرجل لا يحاسب على الخطأ حين يرتكبه. بينما ينصب العقاب على المرأة. وأرجع هذا التمييز إلى ما ورد في التوراة، نافيا عن الأناجيل والقرآن مثل هذا الأمر. وأكد أنها مشكلة اجتماعية لا علاقة للدين بها.

وقال الأستاذ الخوري أن الثقافة الذكورية فشلت في إخراج المجتمعات ونقلها إلى حاجات العصر الحديث.

في سؤاله إلى الأستاذ ياسرجي قال الأستاذ تساءل الأستاذ الوهب عن الإنسان تعريفاً وحقوقا في الإسلام.. فأشار الأستاذ ياسرجي، مشيرا إلى أن ما يقوله هو اجتهاده ورؤيته الخاصتين، أن الشريعة وضعت لتحقيق مصالح الناس. والإنسان هو غاية وهو المؤتمن على الشريعة القائم عليها. ((((((اقرأ مداخلة الأستاذ ياسرجي كاملة...)))))).

وفي سؤال آخر للأستاذ القاضي، تساءل الأستاذ الوهب عن عوامل هذه الجرائم، وإن كانت ترتكب في الريف أكثر مما ترتكب في المدينة؟ فقال بسام القاضي أن عواملها كثيرة أهمها فهمنا الخاطئ للشرف، وأحيانا تكون هناك أسباب تتعلق بالإرث أو الملكية. واعتبر أن لا تمييز من حيث عدد الجرائم المرتكبة بين الريف والمدينة، وكذلك بين معتنقي أي من العقائد والديانات والطوائف في سورية.

وأجاب الأستاذ الخوري عن تساؤل حول مفهوم الشرف قائلا إن مفهوم الشرف متحرك ومتغير. وقد يتضمن العمل والأخلاق وقيم مختلفة. والشرف هو قيمة عليا في المجتمعات كانت الصفوة عادة هي التي تقدر هذا المفهوم وترسم حدوده.. واستعرض تاريخ العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وعلاقتها مع النسب وكيف دخل النسب ليحدد مفاهيم جديدة للشرف متعلقة به. وأشار إلى أهمية التلاقي بين الناس بغض النظر عن الأديان والطوائف خاصة لجهة الزواج.

الأستاذ ياسرجي قال في توضيحه لاستخدام الدين ستارا لمثل هذه الجرائم، أن الدين لا علاقة له بهذه الجرائم من قريب أو بعيد، وأن العادات والتقاليد هي المسؤولة عن ذلك. وأكد أن مفهوم العرض الوارد في المقاصد الكلية للشريعة هو المتصل بالوجود المعنوي للإنسان. أي أن العرض هو الشخصية الاعتبارية للإنسان وما يميزه. وأكد أن حفظ النفس مقدم على حفظ العرض. بل كثيرون يقدمون حفظ النفس على حفظ الدين على اعتبار أن حفظ النفس يقيم حفظ الدين.

وأشار ياسرجي إلى أهمية الرجوع إلى نية القاتل وهل هي إقامة مقاصد الشريعة؟ ونفى أن تكون كذلك، بل هي حفظ الاعتبار الاجتماعي الخاص به لدى الهيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها. وخلص إلى أنه لا سند ديني لما يسمى بجرائم الشرف. والشريعة الإسلامية ترفضها رفضاً واضحاً. واستذكر يوم رميت عائشة فيما هو معروف بحادثة الإفك، وسلوك رسول الله تجاه نفسه وتجاه الجميع.

واعتبر الأستاذ ياسرجي أن هناك تقصير في دور رجال الدين في هذا الأمر. مؤكدا أهمية دراسة كافة الجوانب، وخاصة لجهة أن رجال الدين هم أيضا أبناء مجتمعاتهم.

ثم أطلق حوار مفتوح مع الحضور الذي ناهز المائة من الرجال والنساء، ومن مختلف الاتجاهات والآراء.

تقدم الحديث الأب شكري، من طائفة السريان الأرثوذكس، فأعاد التذكير بالخطائة وكيف تعامل السيد المسيح مع الأمر حين قال من منكم بلا خطيئة فلريمها بحجر. وأكد أن الشريعة المسيحية تحرم القتل، فالديان هو الله فقط. وتساءل لماذا تدان المرأة ولا يدان الرجل؟ وأرجع الأمر إلى العادات الاجتماعية والتقاليد. ودعا إلى ضرورة الدعوة إلى القيم الصحيحة من خلال المنابر على الكنائس والمساجد.

في مداخلة قصيرة أكد الأستاذ محمد كامل قطان، مدير الثقافة بحلب، قدم توضيحا هاما حول أن هذه الندوة لا تستهدف التبرير أو الإدانة، بل الحوار بين الجميع، خاصة الآباء والأبناء الحاضرين في هذه القاعة.

الأستاذة بتول جندية، معيدة في كلية الآداب، أكدت أن جريمة الشرف هي جريمة اجتماعية. وإن ما هو مطلوب ليس فقط إلغاء المادة 548 لأن إلغاءها وحده لا يكفي. بل يجب تقديم مشروع متكامل من كافة الجوانب. وأشارت إلى استخدام الأحداث في تنفيذ هذه الجرائم. مرجعة السبب الأول إلى الجهل. وأشارت إلى أن هذه المادة تستجيب إلى حماية أخلاق المجتمع. ولذلك لا بد من بديل لها في حال إلغائها.

الأستاذة شاهيناز عبد الغفور، مدرسة رياضة، اشارت إلى أن جريمة الشرف يجب أن تصير جريمة يعاقب عليها القانون كأي جريمة قتل أخرى. وأن كثرتها تعبر عن مجتمع محروم وعن شباب ضائعون يجدون في هذه الجرائم شيئا من تحقيق لشخصيتهم المفقودة.

السيد وضاح محيي الدين، صحفي، أشار إلى مشكلة الشباب في صعوبة الزواج وشبه استحالة تأمين بيت وأسرة. ولذلك يجد الشباب في الزنا المحرم طريق سهل لإرواء الجسد الذي يضج بالحاجة. وقال أن منع جرائم الشرف يحتاج أولاً إلى منع مسببات الزنا. والجيل الذي نتحدث عنه ممزق في أوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة للغاية.

الأستاذة سميرة البهو، رابطة النساء السوريات، أشارت إلى دور أشرطة التسجيل التي نسمعها دائما في وسائل النقل ودورها في نشر الجهل.. وطالبت رجال الدين والقيميين على الوضع مراقبة هذه الأشرطة التي يجبر الناس على سماعها في تنقلاتهم. ورفضت مبدأ القتل بأي شكل من الأشكال.

الأستاذ عمر قشاش قال أن المادة لا تحل مشكلة وهي مخالفة للدستور والشرائع. والأساس في الحل هو نهضة الشعب السوري. وأشار إلى ضرورة إدخال المفاهيم الجديدة في كتب التدريس بطريقة صحيحة.

الأستاذة روعة مغاربي أشارت إلى أن الرجل هو الدافع الأول لزنا المرأة. وكيف تستغل النساء لقضاء حاجات الرجال عبر استخدامها جنسياً. وتساءلت كيف يمكن للزوج أن يعاشر امرأة أخرى في غرفتها دون مشكلة؟ وتساءلت لماذا تعاقب المرأة، إذن، إذا وجدت زوجها في أحضان امرأة أخرى؟ وأشارت إلى الفساد لدى بعض القضاة الذين يقبضون في هذه القضية أو تلك.

الأستاذ ديب عليوي، طالب كلية الفلسفة، رأى أن البنت تحمل شرف العائلة كلها. أما الرجل فيحمل شرفه وحده. ولذلك تعاقب البنت إذا أخلت بهذا الشرف. وطالب بمعالجة جذور المشكلة، وبالعودة إلى الحدود في الإسلام. كما طالب بوجود بديل لحماية الأخلاق. وتساءل أيضا عن دور الجوامع والكنائس في التنمية الاجتماعية إذ تصرف مبالغ طائلة على مبانيها الفخمة دون أن تقيم مركزاً صحياً لا يكلف إلا جزءا من تكلفة مئذنة إضافية أو قوسا إضافياً.

الأستاذ بسام عيسى، خطيب جمعة، تساءل إن كانت هذه الندوة هي لإلغاء القانون؟ وأشار إلى الدور الاجتماعي الذي يشير إلى من يتساهل في هذا الأمر حتى إذا كان واقفا في طابور ليجلب الخبز مشيرين له أن يذهب ليغسل عاره أولاً.. وعد هذه الدعاوى هي مما يروجه الغرب تحت ستار الحرية..

الأديبة سليمى محجوب، عضوة جمعية كفالة الطفولة، أن مجتعنا يعاني من العلاقات غير الشرعية. وقالت أن في الجمعية 145 طفلاً يأتون من الحاويات وأبواب المساجد وأبواب البيوت. وأن هؤلاء الضحايا هم محرومون من الرعاية الأٍسرية. والنساء يقتلن بينما الرجال يسرحون.. واشارت السيدة محجوب إلى أن الوقاية هي أهم من العلاج.. والإصلاح الاجتماعي أولاً. وأكدت رفضها للقتل.

مشاركون آخرون أكدوا أن هناك قصور وفشل في التربية. وأشار بعضهم إلى الثقافة التي يتلقاها الشباب من كتب على الرصيف تنشر الخرافات كتلك التي تتحدث عن عذاب القبر حين يخرج التنين.. وأشار بعضهم إلى دور خطباء الجوامع وأهمية توعيتهم بهذه القضايا.. وأشار بعضهم الآخر إلى أن الأساس في الإسلام هو ستر الأعراض للرجل والمرأة.. وأكد آخرون إلى أن الخطأ لا يعالج بخطأ. وتساءل عن رفض بعض الآباء لزواج بناتهن وأبنائهن لاختلاف في الطائفة مثلاً.. أو لمستوى اجتماعي مغاير.. وإحدى السيدات أكدت أنها مع القتل للرجل والمرأة معاً.. فهذا يربي المجتمع بهما.

وفي ختام الندوة عقب المداخلون فأكدوا أن المعالجة الكلية هي ما هو مطروح لا الجزئية. وأن سلم العقوبات لا يتناسب مع سلم المشاكل الاجتماعية.. وأهمية معالجة مشاكل المجتمع بانتفاح وحرية لا بالقمع والكبت.. وأن أحدا لم ينظر إلى المسألة خارج سياقها.. وأن كثير من رجال الدين يقدمون رؤية مغايرة وصحيحة.. كما أكد الجميع أن الارتقاء بالأخلاق الحقيقية هو هدف كل من يعمل في قضايا المجتمع في بلدنا.