ضمن صراع أولويات الإصلاح منذ أكثر من ست سنوات كان الحديث عن أسبقية الإصلاح الاقتصادي، وظهر الأمر وكأنه نوع من المماطلة في الدخول إلى صلب التعامل مع الشأن السوري، أو هذا على الأقل ما أوحت به "المعارضة السورية" في تحليلاتها. لكن مسألة الإصلاح الاقتصادي طفت على السطح بشكل واضح، مدعومة بعدد كبير من المراسيم أو الإجراءات. وشهدت الساحة السورية تبدلا يمكن اليوم ملاحظته لكن السؤال الذي بقي عالقا هو عن التأثير المتبادل ما بين "الإصلاحين" الاقتصادي والسياسي، على الأخص أن المصطلح المستخدم اليوم هو "اقتصاد السوق الاجتماعي"، وذلك ضمن مقاربة واضحة لما قدمه عالم الاجتماعي البريطاني أنطوني جيدينز عندما نظر للطريق الثالث.

بالطبع فإن مسألة الإصلاح الاقتصادي تشكل بحد ذاتها محورا لطرح سؤال حول الشريحة المستهدفة من هذا الأمر؟ وهل يستطيع مثل هذا الإصلاح إطلاق تحرك على مستوى شريحة اجتماعية كانت تسمى "الطبقة الوسطى" وأنتجت في مراحل من تاريخ سورية حراكا ثقافيا وسياسيا.

ربما يمكن ملاحظة أن الساحة السياسة السورية كانت تحتاج بالفعل إلى مساحة جديدة، لا يمكن ملؤها بالصيغ التقليدية، كما أن الفراغ على مستوى الإبداع للخروج من الأزمة مازال واضحا، وهو ما يدفع من جديد إلى التفكير بمسألة إنتاج "الطبقة الوسطى" التي يمكن التعويل عليها لإنتاج حراك على سياق ما يسمى بـ"التيار الثالث". فالإصلاح الاقتصادي الذي وجه أساسا لمثل هذه الشريحة كان يستدعي أن يقدم أيضا "ثقافة" الطبقة الوسطى، أو المساحة الفكرية القادرة على خلق مجال لها. وبالطبع فإن حوار النخب السياسية في تلك الفترة تمحور حول مسائل أخرى، أو أغلق على نفسه ضمن حدود تلك المطالب.

وإذا كان السؤال اليوم لا يرتبط بموضوع من المسؤول عن خلق هذا المجال، فإننا بلا شك مازلنا في سياق الإصلاح الاقتصادي، واقتصاد السوق الاجتماعي، وهي بمجملها إجراءات تتطلب على الصعيد الاجتماعي التعامل مع الموضوع وفق "ثقافة" جديدة ليست اقتصادية بالضرورة. فالتحول الاقتصادي الذي يكرس استقرارا على الصعيد المعاشي فقط، أو يحاول مواكبة "التضخم" وغيرها من الأمور ثم لا ينتج ثقافة خاصة لن يؤدي في النهاية إلا ضخ عملية الإصلاح في الجهة المطلوبة.

التيار الثالث، أو التوجه نحو ابتداع حلول جديدة، لا يخرج إلى ضمن إطار إنتاج الطبقة الوسطى من جديد ليس عبر الإجراء الحكومي، بل ضمن تعامل اجتماعي – مدني يحاول بالفعل إعادة إنتاج ثقافة هذه الطبقة بشكل مؤثر وفعال داخل الحياة العامة.