عندما كانت القوات السورية موجودة في لبنان، كان مصير هذه القوات مادة امتحان لكل مرشح للرئاسة، اذ كان عليه ان يجيب عن سؤال اساسي واحد هو: هل توافق على بقاء القوات السورية في لبنان ولا تطلب سحبها تطبيقا لاتفاق الطائف؟ فمن كان جوابه مرضياً للفاحص السوري يدرج اسمه في لائحة المرشحين المقبولين، ومن لا يكون جوابه مرضياً يبقى اسمه خارج اللائحة.

لذلك بقي اسم العميد ريمون اده خارج اللائحة وتم الاتفاق على انتخاب الياس سركيس رئيسا للجمهورية، وتعرض الرئيس رينه معوض للاغتيال لأنه اصر على تطبيق ما نص عليه اتفاق الطائف لجهة اعادة انتشار القوات السورية في منطقة البقاع، وكان في نيته وضع جدول زمني لانسحاب هذه القوات نهائيا من لبنان. وانتخب الياس الهراوي رئيسا للجمهورية بعدما اكد ان السلطة اللبنانية لا تزال في حاجة ماسة الى وجود القوات السورية في لبنان، وان قواته الامنية الذاتية لا تزال عاجزة وحدها عن حفظ الامن في البلاد. ومضت السنوات التسع من عهده وظلت الحاجة ماسة الى وجود هذه القوات. وللتأكد من استمرار بقائها بعد انتخاب العماد اميل لحود رئيسا للجمهورية، اخذت كل حكومة تكرر القول في بيانها الوزاري ان وجود القوات السورية في لبنان هو "ضروري وشرعي وموقت" وإن خلافا لما نص عليه اتفاق الطائف. ولم يتم التوصل الى ازالة هذا الوجود الا عندما صدر قرار مجلس الامن الرقم 1559 واعطى اغتيال الرئيس الحريري دفعا قويا لتنفيذ هذا القرار ووفر اسباب النجاح لانتفاضة الاستقلال في 14 آذار ولاستجابة مطلب اقالة رؤساء الاجهزة الامنية الاربعة وتشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة الاغتيال.

ولم يكن سلاح المنظمات الفلسطينية في مرحلة من المراحل بعيدا من الانتخابات الرئاسية، فالمرشح المتعاطف مع وجود هذا السلاح كان من اصحاب الحظوظ بالفوز بالرئاسة، ولم يكن عقد اتفاق القاهرة، والموافقة عليه في مجلس الوزراء ومن ثم في مجلس النواب، بعيدا من حسابات المرشحين للرئاسة باستثناء العميد ريمون اده الذي فضّل الوقوف ضد هذا الاتفاق ولو على حساب وصوله الى منصب الرئاسة.

غير ان سلاح "حزب الله" يلعب الدور هذه المرة في الانتخابات الرئاسية عندما يحين موعدها، ويصبح مادة امتحان للمرشحين المطلوب منهم ان يعلنوا موقفهم بصراحة ووضوح من هذا السلاح. فمن يعلن منهم انه مع تنفيذ القرار 1559 لجهة نزع سلاح "حزب الله" بصفته ميليشيا، يتعرض لمحاربة الحزب والعمل للحؤول دون وصوله الى منصب الرئاسة، ومن يعلن منهم انه مع بقاء سلاح المقاومة وضع اسمه على لائحة المرشحين المقبولين لهذا المنصب.

ويدخل المرشحون المقبولون من "حزب الله" في منافسة ان لم يكن في مزايدة، حول موقفهم من سلاح الحزب ليصبح المرشح المفضل من بينهم من يعلن انه مع بقاء هذا السلاح الى ان يتم تحرير مزارع شبعا كونها لبنانية ولا جدل في ذلك ولا حتى بحاجة الى ترسيم حدودها وهو متعذر في ظل الاحتلال الاسرائيلي ولا الى مطالبة سوريا بتقديم مستندات الى الامم المتحدة اثباتا لملكية لبنان لها، بل ان على من يعارض هذه الملكية اعلان ذلك سواء كــانــت اســرائــيــل او سوريا او الامم المتحدة.

ومن جهة اخرى، يبقى لسلاح "حزب الله" بعد تحرير مزارع شبعا وظيفة هي الدفاع عن لبنان ضد اي اعتداء اسرائيلي محتمل، مما يعني ان هذا السلاح باق ما بقي خطر هذا الاعتداء، ولا زوال له الا بالتوصل الى تحقيق السلام... وتحقيق ذلك قد يطول ربما سنوات، وهذا يبرر بقاء السلاح في يد الحزب.

لكن ثمة مرشحين لن يذهبوا بعيدا الى هذا الحد بالنسبة الى سلاح "حزب الله" ويقبلون ببقاء هذا السلاح الى ان يتم تحرير مزارع شبعا وبعد ذلك ينبغي تسليمه الى الدولة والا اعتبر الحزب عندئذ ميليشيا وليس مقاومة.

اما ان يظل الحزب محتفظا بسلاحه بعد تحرير مزارع شبعا بحجة الدفاع عن لبنان ضد خطر اي اعتداء اسرائيلي، فان هذه المهمة تقع على عاتق الجيش اللبناني والقوات المسلحة وليس على عاتق حزب او فئة لبنانية، اذ على كل اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم ان يقفوا صفا واحدا في مواجهة هذا الاعتداء عند حصوله.

ولا بد من جهة اخرى ان يحسب المرشحون للرئاسة ليس حساب "حزب الله" وارضائه بقبول شروط احتفاظه بسلاحه، بل ينبغي ان يحسبوا حساب الولايات المتحدة الاميركية، وهي ناخب كبير، وكذلك حساب المجتمع الدولي المصر على تنفيذ ما تبقى من القرار 1559، فليس مجرد القول ان المقاومة ليست ميليشيا كي يسقط حق هذا المجتمع في المطالبة بتنفيذ هذا القرار، لأنه يعتبر كل سلاح خارج الشرعية وخارج قراراتها وغير خاضع لسلطة الدولة هو سلاح ينبغي نزعه، ايا تكن التسميات التي تعطى له.

ويرى مرجع حكومي انه لا يرى سببا لاثارة خلاف حول موضوع سلاح "حزب الله" وهل هو سلاح مقاومة ام سلاح ميليشيا وكذلك حول موضوع مزارع شبعا هل هي سورية ام لبنانية، ام انها لبنانية لكن السيادة عليها ليست لبنانية، ما دامت هذه المواضيع غير مطروحة بالحاح وليس مطلوبا من لبنان في الوقت الحاضر بتها، ولا توجد مهلة محددة لذلك. ومن الافضل ترك المواضيع المثيرة للخلاف جانبا ما دامت غير ملحة وليس مطلوباً من لبنان بتها ضمن مهلة محددة، لئلا ينعكس الخلاف في شأنها على مواضيع اخرى مهمة متفق عليها مثل السلاح خارج المخيمات والتحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وتشكيل محكمة ذات طابع دولي، كي ينصب البحث على موضوع رئاسة الجمهورية والسبل التي ينبغي سلوكها من اجل الانتقال من عهد بات ميؤوسا منه الى عهد جديد يفتح الآفاق لمستقبل واعد.