رشاد أبوشاور

عام 83 ، كان عدد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، من كّل الفصائل، والمنظمات الشعبيّة، والشخصيات المستقلّة، حوالي 300، وهو رقم يثير الاستغراب، فبرلمانات دول كبرى لا تبلغ هذا العدد.

العضوية لم تكن بالانتخاب، بحجّة أن بعض الدول العربيّة لا تسمح به، وحقيقة الأمر أن الممسكين بالقرار الفلسطيني استمرأوا هذا المبرر، الذي ييسّر لهم تعويم وتمييع المجلس ودوره!

ديمقراطية العمل في المجلس قامت على أن المجلس سيّد نفسه، وهذا ما مكّن ( المتحكمين) من إضافة عشرات الأعضاء في كل (دورة)، بموافقة الأعضاء السابقين ( المعينين)، في متوالية عجيبة تعيد إنتاج التعيين، والاستعانة بالمزيد من ( الموافقين ) على ما يطلب منهم، لدعم التوجهات السياسيّة للقيادة التي اصطلح على وصفها بـ (المتنفذّة)، أي قيادة (فتح) التي منذ عام 69 أمسكت بقيادة منظمة التحرير الفلسطينيّة، وأنهت أبرز مؤسساتها، أو هيمنت عليها، من المجلس الوطني، إلى الجيش، والمنظمات الشعبيّة، ومركز الأبحاث، اللجنة التنفيذيّة..الخ !.

بعد ( أوسلو) المشؤوم، قفزت القيادة المتنفّذة إلى ( الداخل)، ومعها ( القرار ) السياسي، مديرة الظهر ( للخارج)، مهملة عمداً ما تبقّى من مؤسسات مهلهلة للمنظمة التي حوّلت في مسيرة الأعوام الغابرة إلى ( قناع) يلعب به اللاعبون ما يشاؤون، فيحمّلون المنظمة وزر ما يفعلون، دون أن يحاسبهم أحد، ومن يحاسبهم ما داموا يمتلكون ( الشرعية ) بالتعيين، ودون استشارة الشعب الفلسطيني الذي دوره أن يقدّم الشهداء والتضحيات.

مسيرة لم يكن فيها ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) ولا أخته المرأة المناسبة أيضاً !

الدائرة السياسيّة برئاسة ( أبو اللطف) أحد ابرز المؤسسين في فتح، بقيت في تونس، وعليها دارت معارك لتصفيتها. بقي أبو اللطف يتحرّك وحيداً في مواجهة ما يدبّره ( أخوته) في مركزية فتح، لقطع دابر ذكر المنظمة، وجعل ثقل الفعل والقرار كلّه في ( الداخل ).

ببراءة تساءل كثيرون عن سّر ( الحرب) على بقايا م.ت.ف، خّاصة والشريك (الإسرائيلي) في صفقة ( أوسلو) لم يقدّم لشركائه الأسلويين الفلسطينيين سوى السّم الزؤام، الذي قتل الشريك (عرفات )، ورفض التعامل مع أبي مازن رغم فرط اعتدال الرجل، وتنكّروا له وهو من الجانب الفلسطيني ( بطل) أوسلو الأوّل، رغم منافسة أحمد قريع !.

المجلس الوطني الفلسطيني أهمل، وجماعة التشريعي وهم بأكثريتهم ( فتحاويون) ما عادوا يبالون به، بل ونظروا إلى زملائهم في ( الوطني) على أنهم غير منتخبين، ويعيشون في الشتات، وحالهم كحال اللاجئين وقضيتهم التي لا يجب إثارتها حتى لا تزعل ( إسرائيل) فتضيّق عليهم، وتغضب أمريكا فترميهم بتهمة التطرّف.

بغايةة الأخيرة للمجلس التشريعي المنتهي الصلاحية، اتخذت قرارات مدبّرة _ ضربة مقفي ! _ بغاية عرقلة عمل المجلس التشريعي الجديد الذي فازت ( حماس) بأكثريته ، ومن هذه القرارات أن أعضاء المجلس التشريعي هم حكماً أعضاء مجلس وطني ( صّح النوم) ، ولماذا الآن؟!

رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ( سليم الزعنون) دعا أعضاء المجلس المتواجدين في عمّان لحضور اجتماع مفرح وسّار ( هكذا أخبرتنا في الدعوة الهاتفيّة ) !.

يوم 14 شباط، توافد الأعضاء، وكان أن افتتح( أبو الأديب) الجلسة بتأبين شعري ونثري للراحل رفيق الحريري في ذكرى رحيله، وبجمل مقتضبة شكر القائم بالأعمال اللبناني المجلس الوطني الفلسطيني، ثمّ انتقلنا للجزء الثاني من الجلسة.

خمّنت أن ( أبو الأديب) يقصد بالخبر السّار، قرار انضمام أعضاء التشريعي للوطني، وصدق ما توقعت.

رغم أن يوم 14 هو عيد الحّب ( الفالانتاين)، فقد خاطبني ( الزعنون) علناً: أساساً أنا لا أحبك ! أمّا السبب، فهو حضوري الجلسة وتكلّمي فيها، ( وفضحي ) لخلفيات الخبر السّار !

أعترف أنني حضرت لأحكي، وهذا حّقي كعضو مجلس، ورئيس المجلس يحكي شعراً ونثراً في كل الجلسات، وهو يصّر على قراءة شعره رغم تواضع مستواه، ولا يتيح مثلاً للشاعرة مي صايغ أن تقرأ ولو مقطعاً من قصيدة وهي ابنة فتح، وعضو مجلس، وشعرها كويّس وله معنى !

تساءلت عن( سّر) إعلان رئيس المجلس التشريعي المنتهي( فتّوح) ، العودة إلى المجلس الوطني ، بعد فوز حماس ؟! ونصحت بعدم وضع العصي في الدواليب، وأننا يجب أن نوحّد قوانا حتى نصمد في معركتنا مع عدونا الشرس الذي لم يرحم الرئيس (عرفات )، ولا عامل رئيس السلطة (أبو مازن ) بوّد، رغم دوره في أوسلو...

رأينا( أبو الأديب) يجلس على المنصّة في جلسة التشريعي الافتتاحيّة برام الله، ثمّ وهو يقف ليقرأ شعراً، مع أن الجلسة لم تكن ( صباحية ) شعرية، ولكنها كانت تعقد لاختيار رئاسة جديدة...

أبو الأديب بعد مقاطعات ، وتصحيحات ، وقراءة شعر لا مبرر له ، أبلغ التشريعيين الجدد أخباراً غير سّارة ، منها : من سيسافر منكم في وفود ، إلى اليابان مثلاً لماذا اختار اليابان ؟ هل لأن تذاكرها مكلفة ؟_ فسيسافر على حسابه ، لأننا لا نملك مالاً للتذاكر ، والمهمات ! . أنتم الآن جزء من المجلس الوطني، يعني أنتم 132 والمجلس الوطني 783، نجمع العددين، فتكونون سبع المجلس الوطني تقريباً !!

ليدلل على أنه نزيه، لا يطمع شخصيّاً في شيء أخبر الحضور بأنه سيلغ قريباً ال74 عاماً، وأنه بعد أربعة أشهر سيتقاعد !( يموت الزمّار وإصبعه يلعب!) .

ديمقراطية مزمنة قامت على التعويم والتمييع، بهدف تمرير قرارات، وتوجهات سياسيّة، أدخلت شعبنا في النفق المظلم الذي يريدون خنقه فيه عقاباً على خياره الديمقراطي !

الواضح أن من ( أنهوا) م.ت.ف واحتكروا ( قرار) فتح لن يتخلّوا عن امتيازاتهم، وقد يجرّون شعبنا إلى كارثة !

أبو مازن في مؤتمره الصحفي يوم 19 قال بأن ( إسرائيل) لم تتفاعل معنا كشريك، وهي رفضت في السنوات الخمس الاعتراف بالأخ ياسر عرفات كشريك، وعندما جئنا إلى السلطة لم تحصل بيننا وبين ( الإسرائيليين ) مفاوضات..

يعني مسيرة السلام خاربة، والسلطة مفلسة، قبل مجيء حماس، وبدلاً من التقاط الفرصة لترسيخ الوحدة الوطنية، وفضح مخططات ( إسرائيل) يتّم نصب الفخاخ والكمائن !

يصرّح الناطقون بلسان الكيان الصهيوني بأن السلطة صارت عدوةً، ترى: هل كانت سابقاً صديقة ؟ وماذا قدمتم لأصدقائكم ؟

الأمور باتت واضحة: نحن نصارع عدوّاً يحتل أرضنا، ويحرمنا من بناء ( دولة) فلسطينيّة، بانحياز أمريكي، ومن هنا نبدأ...