في موازاة الحوار الذي استؤنف أمس في بيروت بين مختلف الافرقاء اللبنانيين استضافت موسكو محادثات بين المسؤولين الروس ووزير الخارجية السوري وليد المعلم وبين الاخير وموفد الامين العام للامم المتحدة لتنفيذ القرار 1559 تيري رود – لارسن الذي يفترض أن يقدّم تقريرا جديدا عن المراحل التي قطعها هذا التنفيذ وكانت ترددت معلومات ديبلوماسية انه سيأتي الى المنطقة قبل اعداد تقريره وان الاميركيين اشترطوا عليه الا يزور سوريا لعدم رغبتهم في فك عزلتها وجعلها محور حركة ديبلوماسية يمكن ان تشجعها على التعنت في مواقفها. وهو ما ظهر مثلا في الاعتراض الاميركي على توقف وزير الخارجية الاسباني ميغل انخيل موراتينوس في دمشق ولقائه المعلم في مطارها.

يـــنـــقـــص الحوار اللبناني ليكتمل فصولا فيتخطى الاتفاق على المبادىء الى التنفيذ جانبا يتعلق بسوريا وحتى بايران. وحتى الآن تقول مصادر مطلعة ان الحوار بواسطة اطراف ثالثين عرب في الدرجة الاولى اراح سوريا الى حد بعيد، نسبيا طبعا، مما يفترض الاخذ منها في المقابل في مسألة الرئاسة اللبنانية برفعها الغطاء عن الرئيس اميل لحود الذي مددت له قسراً وصولا الى جمع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات والذي يبقى مرتطبا تنفيذه بالاعتماد على "حزب الله" كما على سوريا وبعد ذلك مسألة مزارع شبعا. فالمزارع لا تزال الورقة التي تستفيد منها سوريا لتحريك المفاوضات مع اسرائيل من اجل استعادة الجولان المحتل. ولا يتوهم اي من الديبلوماسيين المعنيين والمتابعين للقرار 1559 ان لسوريا دورا اساسيا في تنفيذ ما تبقى من بنوده.

ويعتقد البعض ان ما اخذته سوريا حتى الان كبير قياساً ما قدمته. وهذا الامر حصل في الليونة التي ابديت في مجال التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري اولا من خلال تعيين سيرج برامرتس بدلا من ديتليف ميليس الذي حمل عليه السوريون بعنف واعتماد المحقق الجديد اساليب راعى فيها سوريا الى حد بعيد: وابرزها بتكتمه على كل المقابلات والاستجوابات التي قام او ينوي القيام بها رغم تسريبات عن لقاء عقده مع الرئيس السوري بشار الاسد اخيرا واستعداده لاستجواب ضباط سوريين مشتبه فيهم فضلا عن توقيع لجنة التحقيق تفاهما مع سوريا على اتهام افراد وليس النظام السوري بصرف النظر عمن يمكن ان يكون وراء القرار باغتيال الحريري والذي سيعود الى المحكمة الدولية بته. انما انشاء المحكمة ومسارها قد يستغرقان وقتا اطول مما يحلم به النظام السوري بمراهنته على الصمود حتى انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش لكي تنتهي مصاعبه، وهذا امر يؤخذ ايضا في الاعتبار.

لـــذلـــك لا يـــمـــكن اخراج الامور في لبنان في هذه المسائل الاساسية من دون ان ترفد بحلول او بدفع ايجابي من خارج حتى لو شاء الافرقاء اللبنانيون التصرف وفق مصلحة بلادهم فقط. فالتنسيق مع سوريا يقع على عاتق الدول التي ترى مصلحة في عدم استمرار زعزعة الاستقرار ليس في لبنان فحسب بل في عدد من النقاط الساخنة في المنطقة علما ان كثيرين يثيرون اسئلة عن مدى رغبة سوريا في القيام بذلك بمعزل عن مصلحة حليفتها ايران. فثمة التـــقـــاء مـــوضـــوعـــي وواقـــعـــي بينهما في العـــراق كمـــا فـــي لبـــنان مع الاشارة الى ان الفـــارق في مقـــاربـــة الوضعين في هاتين الدولتين هو ان ليس مطلوبا من دمشق ما يحرجها مع الدول العربية في العراق في حين ان ذلك مطلوب منها في لبنان. ففي العراق تبدي المملكة السعودية كما مصر تحفظا عن مساعدة الولايات المتحدة باعتبار ان ما يجري على الارض هو ان الاميركيين والايـــرانـــيـــيـــن يتواجهون بالواسطة ولكن لا دور عربيا هناك. وهـــمـــا ابلغـــتـــا نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس انهما لا يمكن المساعدة في العراق ما لم يتحول مشكلة عربية او بعبارة اخرى ان على واشنطن حل مشكلتها في العراق ومشكلتها مع المشروع النووي الايراني قبل اي تدخل عربي.

لكن المسألة مختلفة في لبنان حيث لا ينوي احد ترك الامور لتوسع ايراني لا ينظر اليه بايجابية وخصوصا انه يسلك طرق المساعدات الاجتماعية والانسانية وحتى السياسية بين امور اخرى، ويجري العمل على الالتفاف عليه وتطويقه عبر سبل مختلفة على رغم اقرار عدد من المتابعين بعدم سهولة ذلك. فمن جهة تستفيد سوريا في توظيف هذا الجانب من اجل الحصول على مقايضات معينة من الدول العربية او عبرها، في الوقت الذي ترفع شعارات مواجهة الولايات المتحدة ومشاريعها في المنطقة عبر لبنان. الامر الذي يزيد الامور تعقيدا.