يصح إطلاق عصر "الإصلاح" على زمننا الحالي، فالخطاب السياسي والإعلامي وحتى الدولي متخم بهذا المصطلح .. رغم اننا كنا نعتقد أن عصر "الإصلاح والنهضة" ولى منذ بداية القرن الماضي. ويبدو ان الفرق الأساس بين الزمنين هو في امرين:

- الأول أن المصطلح في نهاية القرن التاسع عشر كان يتحدث عن وضعية خاصة لمجتمعنا، وهو جاء وفق جدلية الإصلاح والنهضة. لذلك فهو مثل مرحلة صراع ومحاولة مواءمة بين التراث وما استجد على حياة شعوب العالم العربي إجمالا. بينما هو اليوم مصطلح مطلق يستخدم في خطاب المعارضة وفي الخطاب الرسمي أيضا ويمس برامج محددة وإجراءات على الصعيد السياسي والاقتصادي. أي انه مسلوخ من البعد العام الاجتماعي الذي ميزه في الماضي.

- الثاني أن الإصلاح كان يعني نخبة محددة تحاول التنظير له ومنحه شرعية اجتماعية. لكنه اليوم يمتلك شرعية محلية وإقليمية ودولية لكنه مسفوح داخل الخطاب العام، ومستخدم كسلاح بيد أي خطاب يسعى لتحقيق "قفزة" أو "فلاش" على الصعيد الإعلامي.

بالطبع فنحن نعيش مرحلة "الإصلاح" ولكنه بلا شك مازال إصلاحا غير محدد على الصعيد الاجتماعي، وهو يستخدم أحيانا بمعنى الانقلاب على الماضي السياسي للنظام الحاكم حصرا، وأحيانا للهروب من آليات الإصلاح وتقديمه وكأنه سلعة تحوي مجموعة من القوانين الإدارية والاقتصادية.

هذا الشكل الذي يطرح فيه المصطلح يحتاج إلى "إصلاح" .. لأننا حتى الآن لا نعرف بالضبط الهدف الاستراتيجي له، وكيفية تنسيقه مع الاختلاطات التي دمجته بالمنظومة العالمية فأصبح هما امريكيا وأوروبيا. وربما علينا ان نقرأ "الإصلاح" على خلفية بعيدة عن الأهداف السياسية الآنية، لندرك ان أبعاده تحتاج لتجاوز الأشكال التقليدية للطروحات الحالية.

الإصلاح لا يتلخص بالديمقراطية أو بهيكلة المؤسسات الإدارية والاقتصادية .. لأنه كما يمكن أن نراه من زاوية علم الاجتماع تيار يسعى لترسيخ مفاهيم لا تنفي الموجود لكنه تريد تطويره باتجاه هدف محدد.

انطلق الإصلاح في خطاب "النهضة" قبل اكثر من مائة عام من قياس الواقع الاجتماعي مع الوضع الذي كانت تعيشه أوروبا على وجه التحديد .. أي مع حالة الحداثة التي كانت تدخل فيها. وهو ما أعطاه أبعاد عامة وشاملة وربطه بحركة اجتماعية. لكن خطاب "الإصلاح" كما نراه اليوم يشكل مقدمة لجملة من المبررات السياسية التي تملك اهدافا لا ترقى لمستوى التيار الاجتماعي، بل تبقى محصورة بأشخاص، ربما جسدوا في مرحلة ما رموزا لتيارات سياسية.