لا يزال صعبا التكهن حتى الآن متى يتنحى الرئيس لحود ويتم انتخاب رئيس جديد خلفا له، ما دام يصر على البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته ولا يأبه لا لصرخة تظاهرة المليون في 14 شباط التي دعته الى الاستقالة، ولا لعريضة المليون توقيع التي تطالبه بذلك لانه يعلم ان قوى 14 آذار غير قادرة على ازاحته عن الكرسي مهما حددت مواعيد لذلك، لا بالطرق الدستورية والقانونية لانها لا تملك اكثرية الثلثين في مجلس النواب سواء لتقصير ولايته، او لانتخاب رئيس جديد خلفا له لان انتخابه يحتاج الى نصاب يتألف من هذه الاكثرية، ولا عن طريق الشارع لان سلوك هذا الطريق محفوف بالمخاطر وله محاذيره ما دامت قوى 8 آذار من جهة اخرى تدعم بقاءه في منصبه. وهذا معناه ان البلاد ستظل تعيش وضعا قلقا وغير مستقر سياسيا وامنيا واقتصاديا، في ظل حكومة غير متعايشة مع رئيس الجمهورية ولا هو متعايش معها لا بل انهما يتبادلان الهجمات والاتهامات. وهو وضع لا يسمح بالاتفاق على اجراء الاصلاحات المطلوبة التي تمهد لعقد مؤتمر بيروت للدول المانحة وتوفير اسباب النجاح له، فتضيع ربما آخر فرصة للبنان كي ينهض اقتصاديا وانمائيا بعدما اضاع فرصا اخرى لعدم التزامه الاصلاحات التي وعد بها عند انعقاد مؤتمر باريس – 1 وباريس – 2 وتعذر انعقاد مؤتمر باريس – 3 بسبب اشتداد التجاذبات السياسية واحتدام الخلافات بين اهل الحكم. فارتفع الدين العام بدل خفضه وتدنت نسبة النمو، ودفع الوضع الاقتصادي ثمن ذلك، وهذا ما جعل الهيئات الاقتصادية تحذر من تداعيات فشل الحوار الوطني وتتساءل ماذا سيبقى عندئذ من تدفق الاستثمار الى لبنان والى اية مراحل من المخاطر سيصل الاقتصاد اللبناني وتاليا الى اي مصير مجهول، بل الى كارثة حقيقية، يتحمل الجميع بدون استثناء مسؤولية ذلك.

وكانت الهيئات الاقتصادية قد حذرت في اكثر من مناسبة من تفاقم الخلافات السياسية التي بلغت في الفترة الاخيرة مستويات من الحدة كادت تطيح كل مكونات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لقد اقترح البعض تشكيل حكومة اتحاد وطني من متحاوري الصف الاول، وهو اقتراح يصح الاخذ به في حال توصلهم الى اتفاق على كل البنود لتضمينها البيان الوزاري. ومن اجل ضمان حسن تنفيذها، لكن اي حكومة يمكن تأليفها من متحاوري الصف الاول عندما لا يتوصلون الى اتفاق على المواضيع المطروحة، يجعل عدم اتفاقهم وهم وزراء متعذرا او اخطر بنتائجه من خلافهم على طاولة الحوار لان الخلاف عندما يحصل بين زعماء الصف الاول، فلا يبقى له علاج ويدخل افتراقهم البلاد في المجهول.

لذلك ينبغي ابقاء الامل الاخير للخروج من الازمة بتأليف حكومة اتحاد وطني من اقطاب متجانسين ومتفاهمين على برنامج للانقاذ.

لكن نوابا من تحالف الاكثرية يرون ان لا حل جذريا للخروج من الوضع الشاذ الا بالاتفاق على الوسيلة التي تحمل الرئيس لحود على التنحي وانتخاب رئيس جديد خلفا له، لان ليس في استطاعة الحكومة الحالية الاستمرار حتى نهاية ولاية الرئيس لحود والعلاقات بين اهل الحكم على ما هي من خلافات وتجاذبات واتهامات، كما انه قد لا يكون في استطاعته تشكيل حكومة جديدة في اجواء متوترة.

والسؤال المطروح هو: هل في الامكان التوصل الى اتفاق على مرشح او اكثر للانتخابات الرئاسية؟

الواقع ان قوى 14 آذار تشكل اكثرية نيابية وقوى 8 آذار تشكل اقلية ممانعة تستطيع الحؤول دون اكتمال النصاب لاجراء الانتخابات الرئاسية اذا لم يكن المرشح مقبولا منها. لذلك فانها تجد نفسها في موقع قوي كأقلية في مواجهة الاكثرية، وتعتبر ان ليس في استطاعة هذه الاكثرية تقصير ولاية الرئيس لحود ولا انتخاب رئيس جديد للجمهورية الا بالحصول على موافقتها.

ويقول نواب في تحالف الاقلية ان اختيار اي مرشح للرئاسة الاولى لا يتم الا بموافقة هذا التحالف الذي يتألف من حركة "امل" و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" وان عدم التوصل الى اتفاق على اختيار هذا المرشح من شأنه ان يبقي الرئيس لحود في منصبه حتى نهاية ولايته ويحول دون اجراء انتخابات رئاسية اذا كان المرشح غير مقبول من تحالف الاقلية، لان هذا التحالف سيتخذ عندئذ قراراً بمقاطعة جلسة الانتخاب للحؤول دون اجراء هذه الانتخابات التي يحتاج اجراؤها الى حضور غالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الاولى وبالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي (المادة 49 من الدستور).

واذا صار تجاوز تحالف الاقلية في حال عدم التوصل معه الى اتفاق على مرشح للرئاسة الاولى، فان البديل منه هو سوريا، وهذا يحتاج الى دور عربي وربما دولي من اجل الاتفاق معها على مرشح، فاي ثمن تقبل به سوريا في مقابل جعل الرئيس لحود يتنحى وبالتالي جعل تحالف الاقلية يوافق على المرشح الذي توافق هي عليه. وهل يوافق تحالف الاكثرية على دفع هذا الثمن للتخلص من الرئيس لحود ام انها تفضل تحمل بقاء لحود حتى نهاية ولايته وعدم القبول برئيس خلفا له يكون على صورته ومثاله، لمدة ست سنوات... كي تضمن سوريا من خلال هذا الرئيس عودة نفوذها الى لبنان وعلاقاتها المميزة معه لا بل مركز ممتاز لها فيه... ام يكون الثمن الذي تقبل به سوريا ليس في اختيار رئيس مقبول منها، بل في رفع الضغوط الدولية عنها بسبب اتهامها بايواء تنظيمات "ارهابية" او لان لمسؤولين فيها دورا في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.