سورية الغد

عندما يبدو الإصلاح كمصطلح بحاجة إلى تعريف فإن كم الكلمات يمكن ان تغرق المواطن الذي تآلف مع هذا الموضوع على طريقته. فهذه المسألة في سورية تبدو وكأنها محيدة عن ساحة المواطن المترقب فقط لنتائج الإصلاح. فهو يفهمه عبر المراسيم التي تمس الرواتب والأجور، وتؤمن له متطلبات إضافية. وكان الإصلاح "فردوس" مفقود جديد يحاول إيجاده من خلال متابعاه للأحاديث والأخبار وحتى الإشاعات.
منذ بداية طرح مسألة الإصلاح لم يكن المواطن في عمق هذه المعادلة، إنما كان جزء من نتيجتها النهائية التي يصر البعض على صورتها الزاهية، متجاهلين أن الإصلاح "عملية" لا بد أن تشمل الكثير من التضحيات وربما المطبات. فالمشروع الإصلاحي عندما بدأ يأخذ مساحته داخل المجتمع السوري كان هناك إصرار من الحكومة على عدم المساس بالمجتمع، وبأن الفائدة المرجوة يجب ان لا تكون على حساب المواطن، وبهذا الشكل أصبح المواطن خارج "عملية" الإصلاح رغم انه المعني فيها.

إن الدور المقصود للمواطن لا يقتصر هنا على رأيه في الموضوع السياسي أو إجراءات الحكومة، بل معرفته بان الإصلاح عملية يترتب عليها العديد من النتائج. وهي ليست مراسيم لرفع الأجور، أو تحسين مستوى المعيشة، بل يدخل فيها أيضا "ضريبة التغيير" وما يترتب عنه من ارتفاع في معدلات البطالة أحيانا أو التضخم، او حتى عدم قدرة الدولة على توظيف مواطنين إضافيين في مؤسساتها.

ودور المواطن هو في كسر الحيادية التي تسود تجاه موضوع الإصلاح، وكأنه يخص "الطليان"، والدولة هي "دولة الطليان" ... وكسر هذه الحيادية لا يكون فقط في عملية المشاركة السياسية التي تطرحها المعارضة، وهي حق يجب إقراره بقوة، لكنها أيضا في أن المواطن عليه دفع ثمن الإصلاح أيضا، وليس التمتع بمكاسبه.

الإصلاح هو إصلاح في سورية ويعني "غد" سورية، وليس مجرد النظر إلى قدرة الدولة، أو المعارضة، في كسب هذه المعركة. لأن المواطن يجب أن يعي أن الإصلاح لن يتم مهما حاولت الهيئات والمؤسسات دفعه إذا لم يشارك هو به .. على الأقل برفع سوية إنتاجه.

التحدي الأساسي الذي يواجه الإصلاح السوري هو في كسر الطوق عن المواطن الذي يعتبر الدولة "مكسبا" يجب استنزافه حتى النهاية ... وفي تهشيم القناعات السائدة بأن المواطن مسؤول من الدولة وعليه واجب الطاعة .. ربما علينا الخروج من مفهوم "كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .." حتى نستطيع فهم "عملية الإصلاح".