ديفيد ادواردز |موقع ميديا لينس)

أطل من بين ألسنة اللهب ومن ثنايا دخان تفجير أحد أقدس مراقد أئمة الشيعة في سامراء بتاريخ 22 فبراير/ شباط شبح الحرب الأهلية في العراق. وها هو سامي راميداني، المنفي السياسي من نظام صدام وأحد كبار الأساتذة المحاضرين في جامعة لندن العاصمة يتصدى لما جرى في محاولة لتبيان الدقة لنوع الحرب الأهلية التي يمكن أن تندلع في العراق. ويلحظ راميداني في مقاله الذي نشرته “الجارديان” أن مئات الآلاف من العراقيين الذين ساروا في مظاهرات جماهيرية احتجاجاً على الدمار الذي لحق بالضريح الأسبوع الماضي، إنما كانوا يستهدفون الأعلام الأمريكية وليس الرموز الدينية الاسلامية السنية فحسب، لماذا؟ وما هو السر الكامن وراء هذا؟ يفسر راميداني الأمر بقوله:

“العراق متخم بالشائعات بشأن تواطؤ قوات الاحتلال مع الموالين لها والسائرين في ركابها من العراقيين وضلوع الطرفين في هجمات طائفية وفي تحريك فرق الموت تبث الذعر وتنشر الهلال في كل مكان: “وينظر الى الولايات المتحدة على نطاق واسع على أنها تتبنى وتغذي التفرقة الطائفية والانقسامات للحيلولة دون ظهور حركة مقاومة وطنية متحدة”.

على كل حال، إذا كان “التحالف” كما هو متوقع على نطاق واسع ينوي تنصيب حكومة تراعي وتساير مصالحه الاقتصادية والسياسية، فعندها سيوفر بروز خطر اندلاع حرب أهلية وانعدام الوحدة الوطنية المبرر لحضور عسكري طاغ مهيمن في البلاد. وبعبارة أخرى، فليس الأمر أنه مطلوب من بريطانيا وأمريكا أن تبقيا لتجنب خطر اندلاع حرب أهلية، بل المطلوب هو بروز تهديد وشيك ينذر بالمخاطر أو اندلاع حرب أهلية حقيقية لتبرير بقائهم. فالخوف إذن هو من اندلاع حرب بين أقلية تدعمها وتساندها الولايات المتحدة ضد غالبية الشعب العراقي.

ويجادل السيناتور الأمريكي السابق جاري هارت في مقال نشرته له مؤخراً “الفايننشال تايمز” في أنه منذ عام 1998 على الأقل كان حلم المحافظين الجدد من الجمهوريين الاطاحة بصدام حسين و”أن يستخدموا دولة العراق الجديدة بحكومتها الدمية بصفتها قاعدة الولايات المتحدة العسكرية والسياسية التي منها يتم قهر الشرق الأوسط الذي يمور بالاضطرابات والقلاقل وضبط أموره وتهدئته”. ويرى هارت أنه يمكن استنقاذ بقية جوهرية من هذه “الخطة السرية”.. “وهي المساعدة على تنصيب حكومة دمية في بغداد تبدو من حيث الظاهر “ديمقراطية”.. وذلك لإقامة قواعد عسكرية أمريكية دائمة في مواقع استراتيجية في جميع أرجاء العراق ومن ثم إقناع الحكومة “الديمقراطية” الجديدة بدعوتنا للمكوث في البلاد”.

ومن الطريف اللافت للنظر أن نقاش هارت هذا هو الوحيد الذي يتناول الموضوع بجدية وله وجاهته، فرأيه هذا حول موضوع القواعد العسكرية الدائمة ظل يتيماً متفرداً في الصحافة المحلية البريطانية على مدى شهور السنة الماضية كلها. وكانت ردة فعل الإعلام في تياره الرئيسي هو أن يرجع وببساطة صدى وجهة النظر الرسمية، وهكذا أوردت “الديلي تلجراف” تقريراً عن دونالد رامسفيلد في ديسمبر/ كانون الأول فقالت:

“في جلسة أسئلة وأجوبة مع القوات الأمريكية قال الوزير إنه ليست لدى أمريكا خطط لإقامة قاعدة دائمة في العراق”.

ولم يرد أي تحد لهذا الرأي. ومع ذلك، فإن هذا الدونالد رامسفيلد ذاته الذي كان قد قال عن أسلحة الدمار الشامل في العراق غير الموجودة أصلاً في تصريح له في مارس/ آذار من عام 2003: “لا جدال البتة في العالم في أن لديهم أسلحة دمار شامل. ونحن جميعنا نعرف هذا، بل إن أي قرد أو “بهيم” حظي بشيء من التدريب يعلم هذه الحقيقة التي لا مراء فيها”.

وأضاف رامسفيلد وقد انتفخت أوداجه تأكيداً على ثقته بما يقول: “ونحن نعلم مكان تلك الأسلحة فهي في المنطقة حول تكريت وبغداد”.

وهذا الصنف من وجهات النظر الرسمية هو بالضبط ما يتم إيراده دائماً من قبل الإعلام دونما أي وقفة تساؤل او تحر او انتقاد، في حين لا يسمح قط للأدلة والحقائق اليقينية المتضافرة أن تأخذ موقعها أو أن توجد أصلاً وهذا هو ما يعتبرونه في الإعلام الغربي تقارير “موضوعية” و”متوازنة”.

الإعلامي تيد كوبيل اقترب من الحقيقة عن كثب عندما كتب في “النيويورك تايمز” الأسبوع الماضي يقول: “لطالما ظل الحفاظ على تدفق النفط من الخليج العربي وعبر مضيق هرمز هو العمود الفقري للسياسة الخارجية الأمريكية لما يزيد على نصف قرن”.

وفي الفترة من 20 الى 22 يناير/ كانون الثاني عقدت اللجنة الدولية المفوضة التحقيق بشأن جرائم ارتكبت ضد الإنسانية جلستها الختامية في نيويورك. وقدم هذا المنبر القضائي أدلة لتقييم “ما إذا كان جورج بوش وإدارته قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية”. وفي شهادته أمام المحكمة أدلى سكوت ريتر أحد كبار مفتشي الأمم المتحدة عن الأسلحة في العراق في الفترة من عام 1991 الى ،1998 ببيان توضيحي يظهر المدى المذهل الذي بلغه قمع الحقيقة وطمسها على يد التيار الطاغي الرئيسي في الصحافة والإعلام في فترة ما بين عامي 2002 و2003 على وجه التخصيص:

“سأقول لكم ما يلي: إن وكالة ال “سي آي ايه” ومنذ مرحلة مبكرة، أي من عام 1992 كان بحوزتها ما يكفي من المعلومات للجزم بحقيقة أن العراق قد نزع أسلحته في مضمار الصواريخ الباليستية. وبحلول عام 1993 كان لدى ال “سي آي ايه” من المعلومات ما يكفي لتأكيد أن العراق قد دمر كافة أسلحته الجرثومية والبيولوجية وبمجيء عام 1994 كانت ال “سي آي ايه” تملك ما يكفي من المعلومات لتتيقن تماماً من أن العراق قد تخلى عن كل أسلحته الكيماوية.. وهذه المعرفة، وترسانة المعلومات اليقينية نقلت بحذافيرها من إدارة كلينتون الى إدارة بوش. لذا فلا بد لي من القول إن تبجحات الرئيس الخطابية لم تكن زائفة لا أساس لها فحسب، بل كانت مضللة عن عمد وتصميم”.

فلو أنه تم كشف هذه الحقيقة ونشرها على نطاق واسع من قبل “صحافتنا الحرة” لما أمكن شن الحرب على العراق، لكن الحقيقة حجبت ولم يجر تبيانها، وها هو العراق يغرق في برك الدم والخراب يبكي على أطلاله