ثمة ظاهرة، عندنا في سورية، لافتة للانتباه حقاً. وإذ أتحدث عنها، فليس الغرض من حديثي تقييمها سلبا أم إيجاباً، ولا التشفي، والله يشهد. كما أقرّ وأعترف بأنني لا أكتب بدافع من غيرة أو حسد لاسمح الله..

تقوم هذه الظاهرة على قدرة أي مسؤول، وفي أي حوار صحافي أو تلفزيوني، ومهما كانت صلاحياته (صغيرة أو كبيرة)، وأياً كان الموضوع المطروح للنقاش، أن يتحدث باسم الشعب.
فليس سراً القول، أن ثمة هوساً في سوريا للاهتمام بقضايا الشعب ومصالحه، إلى درجة أن المحكمة في حال أرادت النطق بحكمها "العادل"، (ومن المعروف والشائع أن قضاءنا "نزيه" و"عادل" لاتأخذه في الله لومة لائم) فإنها تنطقه باسم الشعب كذلك، وإن كان هذا الشعب يسمع بفساد قضاء بلاده من دون أن يعرف ماهية القضايا والأحكام التي يطلقها باسمه!
وإذا أردنا توسيع الدائرة قليلاً، فسنجد أن أي حزب في سورية يستطيع التحدث باسم الشعب على الرغم من التباين الواضح في ألوان هذا الشعب وأطيافه. وبذلك نجد أن حزباً من أقصى اليمين، في حال وجوده، يتحدث باسم حزب من أقصى اليسار، والعكس صحيح .

فبقايا حزب خالد بكداش، مثلاً، تتحدث باسم الشعب في سوريا. وكذلك حزب الإخوان المسلمين المحظور يتحدث باسم الشعب وهو في المنفى. طبعاً ولن ننسى حزب البعث صاحب الحصة الأكبر في "تمثيل" الشعب و"الدفاع" عن مصالحه الخ...
وإذا انتقلنا على صعيد "الانجازات" وما أكثرها! سنجد أنها كلها أنجزت (وتنجز) باسم الشعب، وان كان لاينتفع بها سوى فرد أو بضعة أفراد في بعض الأحيان، فمن قصر الشعب إلى إذاعة صوت الشعب مروراً بمجلس الشعب، وليس انتهاءً بمجلة جيش الشعب، والقائمة تطول.
وبافتراض أن القاعدة الشعبية تقول: "ماحدا أحسن من حدا" فان أي صحافي سوري يستطيع أن يكتب مقالته أو زاويته باسم الشعب، ذلك لاعتقاده "الراسخ" أنه يمثل ضمير الشعب .

وبالمقابل فان مدير أي مؤسسة سواء أكانت استهلاكية أم زراعية أم غذائية الخ .. وصلاحيته لاتتعدى جدران مؤسسته، يستطيع أن يتحدث باسم الشعب وهلم جرا ... ياعفو الله ! الكل يتحدث باسم الشعب، وأنا كنت اعتقد أن لا أحد يهتم بهذا الشعب . لعن الله ظن السوء .
المعارضة في سوريا تتحدث باسم الشعب، والنظام كذلك يتحدث باسم الشعب، حتى أن ذلك المسؤول السوري الكبير الذي انشق مؤخراً عن ولي نعمته خارجاً عن بيت الطاعة صار يتحدث باسم الشعب!! حقاً إنه لأمر يشبه النكتة .
ماذا يمكن للمرء أن يقول في هذه الظاهرة سوى أنها التوزيع العادل لحرية التعبير عن الرأي، والممارسة الأعدل والأشمل للديمقراطية إذ يستطيع الكل أن يتحدث باسم الكل... وهذا كله يفضي بنا إلى اشتراكية، مابعدها، ولا قبلها اشتراكية.

انطلاقاً من كل ماسبق ذكره، وباسمي الشخصي، لا باسم الشعب أرى أن كل مظاهر الفساد التي عانيناها ونعانيها في سوريا، ابتداء من اختلاس المسؤولين ـ كباراً كانوا أم صغاراً ـ للأموال العامة، مروراً باحتكار (من نالوا رضا الله والوالدين والوطن) كأولئك الذين يحتكرون الخليوي والأسواق الحرة وأشباههم من رجالات الأعمال "الناجحين" غصباً عني (مو على كيفي) دون غيرهم ممن خلق الله من السوريين، مروراً بضحايا الصراع على السلطة وضحايا العقل الإجرامي والاستبدادي من مفقودين وأسرى وقتلى، وانتهاء بما يحب أن يضيفه القارئ من سلبيات يراها أقول إن هذا قد تم وجرى باسم الشعب، بافتراض أن الواقع يثبت أننا كل متكامل، إذ نحن شعب تماهت ذواتنا الفردية وصفاتنا الشخصية الذاتية في الذات الشعبية الجماعية.
وهكذا أستطيع أن أطلب، أيضاً باسمي لا باسم الشعب، من ذلك البعض أن لا يطالبوا بعد الآن بالإصلاح ومكافحة الفساد ومحاربة المفسدين، (لأن هيك الشعب بدو)،

والله أعلم.