قوانين اللعبة السياسية تمنع دخول الصغار فيها، وتقتضي توزيع أدوار بين فئات محددة، إما من الكبار مباشرة، أو ممن يحققون مصالحهم من صغار الساسة، لكن أن يدخل لاعب صغير فيقتحم على الكبار، ويأخذ مكانه بإصرار!!

لقد كان دخول حماس إلى الساحة السياسية بمثابة المفاجأة الكبيرة لجميع المراقبين، بل حتى لبعض المناصرين لحماس، وأخذ الجميع يراهن على عدم قدرتها على الخوض في غمار اللعبة السياسية، فكما قال أحدهم: «أولاد امبارح صاروا وزرا»؟ لكن لم يدرك هؤلاء أن السياسة ليس لها قوانين حقيقية - وهم يعلمون هذا جيداً - بل واهم من ظن أن في السياسة قانوناً أو أخلاقاً! لكن الصورة هنا مختلفة، فالقادمون الجدد يحملون مبادئ وثقافة دينية، وأياديهم ماتزال تحمل البندقية، فكيف يمكن أن تشق حماس طريقها في هذا الوسط الضبابي، وهل ستنشئ قوانين جديدة في اللعبة السياسية؟ نعم هذا الذي يبدو أن حماس تمارسه الآن، إن قوتك أن تصنع قوانينك الخاصة، وأن تلزم الجميع بالتعامل معها وأن تثبت على مبادئك ورسالتك، قوتك ألا تتزعزع رغم الضغوط والتهديدات، فإنما النصر صبر ساعة، ولقد كان لمشهد الهجرة النبوية صورة مقاربة جداً لما تواجهه حماس اليوم، فالنبي صلى الله عليه وسلم، يهاجر إلى المدينة لا بالحرب والقوة، بل بتأييد الأتباع والأنصار - كالانتخابات - ويستقبل من المسلمين بالحفاوة الترحيب، وقد كان مطارداً ملاحقاً - كحال قادة حماس - ثم وصل إلى المدينة في ظل وضع اقتصادي بالغ السوء، فلم يكن للناس حتى سوق خاص بهم، بل كان الناس يتعاملون في سوق اليهود! وكان في المدينة منافقون ومتآمرون، وباشرت قريش - الدولة المسيطرة على مجلس الأمن - بإرسال سفرائها إلى كافة الجهات تحذر من محمد صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه، وتدعو الجميع إلى مقاطعته، فما أشبه اليوم بالأمس!! فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن بدأ بخطة اجتماعية اقتصادية سياسية عسكرية عظيمة أخرجت دولة الإسلام من مأزقها، ودفعت بالمسلمين خلال أقل من ثلاث سنوات إلى أن يكونوا دولة قوية فتية، وتتلخص خطته بما يلي:

آخى بين المهاجرين والأنصار، فأوجد الحل لمشكلة البطالة، ومشكلة الفقر، فعلى الأمة أن تتآخى مع شعب فلسطين، وتكفل أسرة مسلمة أسرة هناك.

قام ببناء المسجد، وجعل منطلقه منه، فالقيادة لابد لها من منطلقات قوية.

بنى سوقاً للمسلمين، وتخلى عن سوق اليهود - تفعيل العمل الداخلي للمجتمع المسلم، واحداث نهضة زراعية وحرفية وصناعية، وبرنامج: نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع.

وضع خطة لضرب اقتصاد العدو، بالسرايا والغزوات، والمقاطعة الاقتصادية، ولابد للأمة أن تعود لمقاطعة اليهود، وحماية المنتج العربي وبالأخص الفلسطيني.

نشط في الدعوة والبناء العقدي والثقافي في مجتمعه، وحرص على لقاء الوفود، والبناء المعنوي في نفوس أتباعه، فالنهضة الثقافية والدينية ضرورة حتمية، هذا إلى جانب الدبلوماسية الحكيمة.

لابد أن نقنع أنفسنا بأننا قادرون على تغيير واقعنا، وأننا نحن أصحاب الحق، وبأيدينا قرار مصيري لشعوبنا، وأن الله قد أنعم علينا بخيرات كبيرة، فلماذا نذل ونخور، ولماذا نقتنع بما يريده أعداؤنا من أننا ضعفاء أذلاء.

لقد آن الأوان أن نغير قوانين اللعبة، وأن نكون نحن الكبار فيها، فقد طال زمان الصغر.