تنعقد القمة العربية فى الخرطوم فى الثامن والعشرين من شهر مارس الجارى وسط رؤية ضبابية واوضاع دولية وتحديات سياسية هائلة ومشكلات مستعصية، ومستجدات هائلة، فكثير من الدول العربية تعيش فى حالة من القلق والتوجس، وبعضها يعانى من الاحباط، والبعض الآخر لا يدرى ما الله فاعل به، والسؤال الذى يفرض نفسه هنا، ما الذى سوف تفعله القمة العربية ازاء التهديدات التى تواجه سوريا، وتتربص بالسودان، وتريد الفتك بالعراق، وتعمل على اثارة الفتنة فى لبنان، ان الذى يتابع النتائج التى اسفرت عنها 28 قمة عربية سابقة منذ انعقاد اول قمة عام 1946 فى مصر سوف يصاب بالاحباط، فقد جاء فى البيان الختامى لهذه القمة ان القضية الفلسطينية هى قضية العرب الاولى، وبعدها مباشرة وقعت نكبة فلسطين عام 1948، ولم تمر ساعات على قمة بيروت عام 2002 والتى وافق فيها الزعماء العرب على تحقيق السلام مع اسرائيل حتى وجدنا قوات الاحتلال الاسرائيلى بقيادة ارييل شارون تجتاح مدينة رام الله، وتقتحم مقر الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، وتقوم بحصاره، ولم يخرج منها الا الى باريس حيث مات هناك، وفى عام 2003 حين رفضت قمة شرم الشيخ الحشود العسكرية البريطانية والامريكية ضد العراق، وبعدها بايام قليلة وقعت الحرب وتم احتلال عاصمة الرشيد، ولاتزال قوات الاحتلال جاثمة فوق انفاس الشعب العراقى دون مبرر منطقى لذلك.

واذا استعرضنا القرارات الاقتصادية التى اصدرتها مؤتمرات القمة العربية سوف نجد ان الغالبية العظمى من هذه القرارات لم تنفذ، فمنطقة التجارة الحرة العربية لاتزال تواجهها العديد من العقبات التى تهدد بعرقلة تنفيذها، كل هذا يشير الى ان مؤتمرات القمة العربية لم تحقق للشعوب العربية الحد الادنى من آمالها وطموحاتها، حتى حرية انتقال المواطن العربى من بلد الى بلد كما هو الحال بين دول الاتحاد الاوروبى تحول دونها العديد من العقبات والعراقيل.

ويرجع عجز القمم العربية عن تحقيق اهدافها، وتنفيذ قراراتها الى سعى بعض القادة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصالح الشعوب، وكثيرا ما يتم تصعيد الخلافات بين هؤلاء القادة حتى تصل الى نقطة اللا عودة، ومنهم من يقوم باطلاق شعارات فضفاضة غير قابلة للتنفيذ، ويقوم بالقاء خطب عنترية ومبادرات كلامية ومواقف انفعالية لا تقدم ولا تؤخر على صعيد المصالح العربية.

وفى الحقيقة ان حجم الاخطار المحدقة بالعالم العربى مهول، ولا سبيل لمواجهة هذه الاخطار الا بتوحيد الكلمة، ونبذ الخلافات، والاتفاق على قلب رجل واحد لمواجهة هذه الاخطار الجسام، فشلالات الدم تجتاح ارجاء العراق، واصبح شبح الحرب الاهلية على الابواب بين ابناء الوطن الواحد، والمخاطر التى تحيق بالسودان كبيرة فى ظل عزم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة على ارسال قوات دولية الى اقليم دارفور، والتحديات التى تواجهها منظمة حماس التى اختارها الشعب الفلسطينى بكامل ارادته فوق طاقة هذا الشعب.

واذا كانت القضايا المطروحة على مائدة المفاوضات بين الزعماء العرب كثيرة وثقيلة، فان قضية الديمقراطية تفرض نفسها فى هذا الصدد لان الجماهير العربية لن تتنازل عن هذا الحق، والزعماء العرب مطالبون بتلبية هذه الرغبة، وقد آن الاوان لحسم هذه القضية، ووضع النقاط على الحروف بشأنها لان من حق الشعوب العربية ان تراجع حكامها فيما انجزه هؤلاء الحكام وما لم ينجزوه، وتأسيسا على ذلك فإنه يجب على الانظمة العربية ان تبدأ بالتحرك لاقرار حقوق الانسان دون ضغوط عليها من الخارج لتحقيق هذا المطلب لتأتى الديمقراطية انعكاسا للواقع الثقافى والحضارى والمرجعيات الدينية والفكرية العربية، ولا تكون استنساخا للديمقراطيات الغربية لان تحقيق الديمقراطية يتوقف على تناغمها مع الميراث الثقافى العربى، ذلك انه بقدر مساحة الحرية للمواطن يكون العطاء والابداع والتقدم.

ومن ثم فلن تحقق هذه الامة ادنى درجات الرقى فى ظل انظمة قمعية، وفى الوقت الذى يوجد فيه الآلاف من المواطنين فى السجون دون رقابة قضائية او محاكمات عادلة، ومنهم من اصيب بامراض قاتلة، ومنهم من تعرض للتعذيب وسوء المعاملة، وانتشار الاوبئة والامراض وغياب العناية الطبية مما أدى الى وفاة الكثيرين منهم كما ذكرت منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الانسان، مما يؤكد ان التخلف الذى اصاب العالم العربى والهزائم التى لحقت به ترجع الى هيمنة قيادات استبدادية على مختلف مناحى الحياة فى الوطن، وهى قيادات تعوق الابداع، مما يؤدى بها الى التخلف والاحباط، ويعرقل خطط التنمية لان هذه القيادات تقوم بتنصيب شخصيات هزيلة فى مراكز صنع القرار من اهل الثقة والولاء وتغش الحاكم، وتغريه بالباطل وتقربه من المنكر وتكيل له المديح نفاقا ورياء.

وهكذا نرى ان الامة العربية فى حاجة الى عمل دؤوب وجهد مخلص لاقتحام المشكلات المزمنة، والبحث فى تطوير وتحديث انماط الحياة من خلال انشاء محكمة عدل عربية ومجلس للامن العربى، وتغيير نظام التصويت لتصبح القرارات بأغلبية الاصوات وليست باجماع الاصوات، والاتفاق على عمل جماعى مخطط لمواجهة الازمات المشتعلة التى تعيشها الامة.

وتواجه القمة العربية نظاما دوليا ظالما تقوده قوة باطشة تنحاز ضد العرب وتحملهم مسؤولية كافة الكوارث والازمات والاعمال الارهابية التى تحدث على الساحة الدولية مما جعل العالم يستهين بهم ولا يقيم لهم وزنا فاستباح مقدساتهم، ومزق وحدتهم، وشتت شملهم، وحاصر دولهم، وحولهم الى كيانات صغيرة وضعيفة ومتناحرة تسودها العصبية وتغلب عليها الانانية، كما حولوا قادتها الى ظواهر صوتية لا يحسب لها حساب ولا يسمع لها صوت.

وفى الحقيقة ان هؤلاء الزعماء يمكنهم ان يحققوا الكثير من المنجزات اذا خلصت النوايا، وتوحدت الارادة، وقويت العزيمة، فهم صناع القرار، وبيدهم مقاليد الامور، ومستقبل الامة امانة فى اعناقهم فى عصر لا يحترم العالم فيه إلا الاقوياء، وهذا يعنى ان القمة العربية القادمة تستطيع الخروج بخطة جادة وآليات عملية، ولن يتحقق ذلك الا اذا استلهمت اجهزة الحكم روح هذه الامة والتزمت بقيمها واصولها وثوابتها، واستطاعت تجاوز خلافاتها، والتغلب على احزانها.

كما انه على الزعماء العرب ان تتضافر جهودهم لمواجهة مشكلة الفقر والجوع ونقص المياه، وتدنى معدلات النمو بعد ان ارتفعت الفجوة الغذائية فى العالم العربى الى حوالى عشرين مليار دولار، هذا فى الوقت الذى تشير فيه البيانات الاحصائية الى ان اكثر من 90% من التحويلات المالية العربية تتجه الى الولايات المتحدة وغرب اوروبا، فى حين لم تتجاوز هذه التحويلات 10% بين الاقطار العربية، وذلك على الرغم من توافر الكوادر البشرية، والاراضى الزراعية الشاسعة والثروات الطبيعية، والمياه الوفيرة وغير ذلك من الامكانات والموارد التى تفتقر الى النوايا الطيبة والتخطيط العلمى والتنسيق البينى واحترام حق الشعوب وحريتها فى القول والنقد والتعبير دون خوف او تردد.

إن مشكلة العالم العربى لا تكمن فى اعلان المبادرات وصياغة البيانات لمجرد اثبات المواقف، ولكنها تكمن فى الصدق مع النفس لتحقيق الغايات، ومواجهة التحديات، وتجديد الفكر، والتغلب على طاغوت التشرذم والتمزق والتفرق والتمسك بالنصوص الجامدة للخروج من هذا النفق المظلم الذى تعيشه الامة من اجل الصعود الى آفاق المستقبل وهى واثقة الخطى.

ومن ثم فإنه يجب ألا نسعى لجلد الذات بقدر ما نعمل على نقد الذات، ليس فقط من اجل تلافى السلبيات ولكن لتفعيل الايجابيات لان تشخيص الداء سوف يؤدى الى فاعلية الدواء، وهذا يعنى انه لابد من اعادة النظر فى اوضاع الجامعة العربية بعد نحو ستين عاما من انشائها لتكون مؤسسة فاعلة تعبر عن ارادة مؤثرة فى الساحة الدولية فى مواجهة التكتلات العملاقة فى عالم لا يحترم الا الاقوياء، كما ان عليها ان تواجه الازمات داخل البيت العربى، والتحديات التى تستهدف الانقضاض على هذه الامة للاجهاز عليها، وتمزيق كيانها، ومواجهة حملات التشويه والاساءة التى تشنها الدعاية المضادة، وهو امر اذا لم يتم تدارك الآثار المترتبة عليه فإن الانسان العربى سوف يعيش اسيرا لبث وافد من الخارج يصنع له عالمه، ويصوغ له اخلاقياته وسلوكياته.

كما ان القمة العربية مطالبة بلم شمل الاقليات العربية المهاجرة فى الخارج فتقدم لها الدعم المادى والمعنوى وتقيم معها جسورا قوية وتساعدها على اقامة لوبى عربى يواجه اللوبى الصهيونى المتجذر فى مراكز صنع القرار، واجهزة الاعلام وقنوات البث الدولية، وهذا يؤكد انه لابد من الحفاظ على هذا البيت العربى وتقويته ودعمه والتمسك به فى مواجهة الدعوات التى تسعى الى القضاء على هذا الكيان لتحل محله كيانات اخرى اشد ضررا واكثر خطورة على مستقبل هذه الامة.

ولن يتحقق امل الامة الا فى وجود نظام عربى قوى يعكس طموحات الجماهير العربية، ويتعامل مع النظام العالمى الجديد بكل تداعياته لتكون هذه الامة هى صاحبة الكلمة الفصل فى تقرير مصيرها، وترتيب اوضاعها انقاذا للامة من التخلف وتحقيقا لآمالها فى التوحد والاندماج وتفعيلا لدورها فى المواجهة والعمل على الساحة الدولية.