كل شيء في الحياة تجربة. يدرس طالب الطب سبع سنوات ثم يمضي 3 أعوام في التدريب. ويدرس طالب الحقوق في الجامعة أربع سنوات لكن لا يسمح له بالمرافعة أمام المحكمة قبل أن يمضي عامين من التمرن في مكتب محام مجاز. وكان كامل مروة كلما عاد ابنه البكر جميل من الجامعة لتمضية فصل الصيف، أرسله إلى مطابع «الحياة»، ليتدرب على العمل الصحافي من القبو، بحيث يعرف أن الصحافة قصدير وهدير وروائح آلات، وليست فقط قلم حبر وكرافتة.

ما يجري في أسواق المال الخليجية هو درس عفوي للمساهمين والمضاربين، بأن السوق ربح وخسارة وليست كنزا لا يفنى. وان الذي يربح عاما يمكن أن يخسر شهرا. وأن الأسهم حسابات خاضعة لألف قانون، وليست مجرد ضربة حظ أو أحلام أو تمنيات. الخسائر الحالية هي نتيجة طبيعية لفورات غير طبيعية جعلت الناس تترك أشغالها وأعمالها وتذهب إلى البورصة لكي تغرف منها ما تستطيع حمله. وفي العالم أجمع تضع الناس شيئا من استثماراتها في البورصة، وتترقب ربحا يراوح بين 10 و20% على أبعد تقدير. لكن مضاربي الأسهم الخليجية اعتادوا على ربح المائة في المائة خلال ثلاثة أشهر. وبالفعل كانت هناك أرباح كثيرة. وكانت هناك ثروات كثيرة. لكن المال ليس مطرا ولا بحرا. وذات يوم سوف تذهب إلى مكتب البورصة وترى اللون الأحمر يسيطر على كل الأرقام أو معظمها.

وقد بدأت حركة التراجع مع تحذير من الدكتور أحمد الربعي بأن الخليج مقبل على أزمة «مناخ» أخرى. لكن الحقيقة أن المسألة مختلفة. فالشركات المدرجة على البورصات، خصوصا في الكويت، هي شركات فائقة الربح بسبب عاملين أساسيين: الأول، أعمال وأرباح الشركات في العراق، والثاني الارتفاع الشديد وغير المتوقع في أسواق النفط. ومعظم الشركات المدرجة في السعودية هي شركات كبرى تعلن أرباحا كبرى، عاما بعد آخر. وبعض هذه الشركات، مثل «سابك»، مصنَّف بين أكبر وأهم الشركات في العالم.

لكن ذلك لا يعني أن تستمر الموجة الحاصلة الآن. أي أن يذهب الخليجيون إلى دكاكين المضاربة كل يوم ويعودوا وقد تحركت ثرواتهم إلى فوق. فالثروة تتحرك أحيانا إلى تحت. وقد أدى انهيار بورصة نيويورك في العشرينات إلى كوارث اقتصادية واجتماعية لا تنسى. والمثل الشعبي البسيط يقول «كل طلعة بعدها نزلة». إننا في صدد اختبار شيء قديم في العالم، جديد علينا، اسمه سوق المال. والسوق، مثل المال، يربح واحد ويخسر آخر ولا يمكن أن يربح الجميع إلى الأبد.