معاريف

شلومو غازيت
(رئيس شعبة الاستخبارات سابقاً)

في ظل غياب شريك فلسطيني في المفاوضات، لا سيما بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، ستضطر اسرائيل الى ان تحسم طريقها. هذا ماتطرق اليه آفي ديختر (رئيس الشاباك السابق) قبل عدة ايام، وهو من اعضاء القيادة الأمنية في حزب "كاديما".
حدد ديختر ثلاث مراحل، سيكون على اسرائيل ان تنفذها تنفيذاً احادي الجانب: استكمالا سريعاً قدر الامكان للجدار الامني؛ اخلاء تاماً لجميع المستوطنات الاسرائيلية خلف الجدار؛ وابقاء لقوات الجيش الاسرائيلي في الاراضي التي ستخلى ما دام الامر يتطلب ذلك. أضاف رئيس كاديما، ايهود اولمرت، إلى ذلك في مقابلاته في نهاية الاسبوع، وأشار إلى نيته جعل جدار الامن حدوداً دائمة لاسرائيل مع الدولة الفلسطينية. أضف إلى ذلك إعادة النظر ـ كما اعلن ـ في مسار الجدار، وتعديله على أساس تفاوض يجريه مع رؤساء مجلس مستوطنات الضفة والقطاع "يشع".
أولمرت ليس هاوياً سياسياً. فهو يعلم ان المسار الحالي للجدار (حتى اذا عدل) لا يمكن ان يكون مقبولا عند اي شريك فلسطيني. وأولمرت يفهم جيداً أنه سيكون في الامكان على المدى البعيد التوصل إلى حدود دائمة إسرائيلية بواحدة من طريقين اثنتين. احداهما، مبادرة إسرائيلية احادية الجانب، وانسحاب تام إلى ما وراء "الخط الأخضر" من حزيران 1967، وهو خط حظي منذ ذلك الحين باعتراف دولي واسع، بل باعتراف عربي لا يستهان به (وفي ضمنه اعتراف دوائر فلسطينية). ان انسحابا كهذا سيمنح الحدود اعترافاً يشابه ذلك الذي منحته قبل نحو ست سنين، عندما انسحبت قوات الجيش الاسرائيلي إلى جنوبي الحدود الدولية مع لبنان. لكن يبدو أنه لا يوجد في إسرائيل من يؤيد هذا الخيار ويؤمن أنه قابل للتنفيذ.
الطريق الثانية هي خط حدودي يعترف به ويتفق عليه الطرفان (عندما يواجه الجانب الاسرائيلي الحكومة أو السلطة الفلسطينية في المفاوضات). لا يجب ان نوهم أنفسنا. الأمر ليس سوى مسألة وقت (حتى لو كان ذلك وقتاً طويلاً)، فاسرائيل ستضطر إلى اجراء مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين وفق خارطة الطريق الحالية، أو وفق "خارطة" جديدة تصاغ في المستقبل؛ وسيستعمل مسار جدار الفصل أو الامن الذي نقيمه خطاً ابتدائياً للتفاوض السياسي هذا؛ لن يكون لاسرائيل في هذه المفاوضات مطالب اقليمية ما شرقي المسار الذي سيبنى. وليس الامر كذلك عند الفلسطينيين ـ فهؤلاء سيبدأون التفاوض بطلب انسحاب إسرائيلي إلى الخط الأخضر.
لا نعرف اليوم كيف سيكون موقف الولايات المتحدة من هذه القضية. فوعود ادارة الرئيس بوش بالاعتراف بالوقائع التي نشأت على الارض منذ 1967 وأخذها في الحسبان، لا ترسم حداً واضحاً، ومن المؤكد أنه لا تجب رؤيتها موقفاً نهائياً ملزماً. حتى لو أيدت واشنطن تعديل الخط الأخضر وادخال مناطق شرقية، فستصعب رؤية خط جدار الفصل خطاً تؤيده الولايات المتحدة.
وثمة تنبيه آخر. ان الوعد بتحديد احادي الجانب للحدود الدائمة لاسرائيل ليس وهماً معلوماً فحسب، بل هو خداع شديد للسكان في الكتل الاستيطانية كأنما يضمن لهم انهم لن يُجلوا بعد ذلك. لا يوجد لهذا الوعد أساس ولا له فرصة. ان تحديد الحدود الدائمة سيتطلب اخلاءات اخرى. من المناسب أن تقول القيادة المسؤولية اقوالاً واضحة صادقة.