نقل الامين العام للمجلس الاعلى السوري – اللبناني بالامس دعوة الى وزير الخارجية اللبناني من نظيره السوري لزيارة دمشق من اجل تنسيق المواقف حيال المواضيع المطروحة على القمة العربية في الخرطوم نهاية الشهر الجاري، والبحث في العلاقات بين سوريا ولبنان. هذا الخبر كان قبل انتفاضة الاستقلال مجرد خبر عادي يغطي بلغة ديبلوماسية نمطا من العلاقات بين لبنان وسوريا قام على التبعية وعلى ارتهان تجلى في شكل صارخ يوم صرخ وزير خارجية مصر احمد ماهر في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة قبل الحرب على العراق، في وزير الخارجية اللبناني آنذاك محمود حمود قائلا له في سابقة لم يعهدها ملتقى ديبلوماسي على مستوى وزراء الخارجية: "يا محمود ما تبصش في فاروق، بص فيّ انا بكلّمك". ومعلوم ان حمود مارس يومها فعل "التنسيق" بـ"تطرف" قل نظيره مما حمل نظيره المصري على فضح هذه التبعية المتخلفة التي كان يفرضها وزير خارجية سوريا فاروق الشرع على ممثل الديبلوماسية اللبنانية في تلك المرحلة التي انحدر فيها اسلوب التحكم السوري بلبنان الى حدود بعيدة في الشكل والمضمون في آن واحد.

لماذا التوقف اليوم عند دعوة وليد المعلم لفوزي صلوخ؟ لسببين اساسيين:

الاول: شكل الدعوة التي ينقلها الامين العام للمجلس الاعلى السوري – اللبناني. فهذا الاطار العائد الى مرحلة الوصاية والتبعية المهينة بات على المسؤولين اللبنانيين ان يفكروا باستبداله لانه يمثل الغطاء القانوني والمؤسساتي للكونفيديرالية التي قامت بين البلدين اثر استكمال النظام السوري سيطرته على لبنان مطلع التسعينات. ولعل ما نسميه كونفيديرالية كان اقرب الى ضم (انشلوس) فعلي للبنان مع ابقاء فحسب على مظاهر الدولة فيه. فالسياسة الخارجية كانت سورية. والسياسة الدفاعية، اي امرة الجيش الحقيقية، كانت سورية. الامن الداخلي كان سورياً. والمخابرات كانت سورية. ولم يتوقف الامر على الخطوط العامة للقرار اللبناني انما تعداه ليتسلل النظام السوري بمخابراته الى تفاصيل الحياة اللبنانية السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، من دون ان ننسى سيطرته على السلطة القضائية آنذاك، وخصوصا على النيابات العامة التي استخدمت كعصي للترهيب في السياسة والمال والقضايا الشخصية. لم يسبق ان سيطرت دولة على دولة اخرى في هذا الشكل، وبهذه الكثافة من دون ان توصف هذه السيطرة بالاحتلال، وخصوصا ان المسار الذي اتخذته هذه السيطرة كان يفيد بما لا يقبل الشك ان نقطة الوصول المتوخاة من خلال هذه السياسة هي قتل الكيان اللبناني بكل الوسائل المتاحة بمعونة اللبنانيين اظهرت احداث ما بعد التمديد واغتيال الرئيس رفيق الحريري مقدار تبعيتهم لهذا النهج التذويبي الذي انتهى بالارهاب.

من اجل هذا كله نقول ان صيغة المجلس الاعلى السوري – اللبناني انتهت من النفوس، ويجب التخلص منها في النصوص، لان لبنان الاستقلال لا يقيم مجالس كونفيديرالية مع مطلق اي دولة اخرى، ولاسيما مع الجار الاقرب النهم. ولا بد من استبدال المجلس الاعلى بلجنة مشتركة وزارية بصيغة متعارف عليها بين الدول العربية. وينبغي ان يجري تعليق اعمال الامانة العامة منذ اليوم في انتظار علاقات ديبلوماسية عادية بين البلدين.

ثانيا: في المضمون، ولا ضرورة للتذكير بما اصبح بديهيا الا وهو ان لبنان لا يحتاج الى التنسيق مع سوريا فحسب، انما الى التنسيق مع بقية الدول العربية مثل مصر والسعودية والاردن. لذا يفترض ان ننتهي من هذا "التقليد" العائد الى مرحلة الوصاية لئلا نقول الاحتلال الذي يقضي حكما بالتنسيق مع دمشق في المحافل العربية والدولية لكأننا محكومون بالاستنساخ الديبلوماسي. ونقول بكل صراحة اذا كان النظام السوري يريد تنسيق مواقفه مع الحكومة اللبنانية في القمة العربية او غيرها من المحافل فعلى وزير خارجيته ان يطلب زيارة لبنان حاملا معه ملفا. فوزير خارجية لبنان الاستقلال يزور سوريا عبر مؤسسة من بقايا مرحلة الوصاية. وزير خارجية لبنان الاستقلال يزور سوريا اذا ما ارتأت الحكومة اللبنانية وعندما تدعو الحاجة اللبنانية الى ذلك. والتنسيق مع سوريا يحصل اذا كانت لنا مصلحة في ذلك والعكس صحيح. ولهذا على وزير الخارجية اللبناني (وهو يتحمل مسؤولية اعماله) ان يكون حذرا جدا، ويتذكر ان لبنان اصبح بلدا مستقلا، وان زمن الاستتباع ولى الى غير رجعة.

خلاصة القول ان على الحكومة اللبنانية التخلص من المجلس الاعلى السوري – اللبناني، وعلى الوزير وليد المعلم ان يأتي الى لبنان اذا كان لديه جديد.

انتهى زمن الوصاية والاستدعاءات.