لا اتفاق في مجلس الأمن على النص الفرنسي - البريطاني للملف النووي
واشنطن "ستحاور" ولن "تفاوض" في شأن العراق

النهار

بدا أمس أن العرض الإيراني لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة في شأن العراق ستكون الأولى منذ غزو هذا البلد عام 2003، ليس كافياً لفتح كوة في جدار انعدام الثقة بين البلدين، ذلك أن البيت الأبيض اعتبر ان النظام الايراني "بدأ يستمع" الى المطالب الدولية، ولكن مع تقليل أهمية العرض بالقول ان طهران قدمت مثله العام الماضي، وأنه لن تكون ثمة "مفاوضات" مع ايران التي قد تسعى الى تحويل الانتباه عن الملف النووي. وحرص السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد على حصر الحوار مع ايران الذي سيجرى في العاصمة العراقية في إطار العلاقة مع الدول المجاورة للعراق، مشدداً على أن لا مناقشة لمستقبل هذا البلد. وفي المقابل، لم يخف الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني على لاريجاني في إطلالة نادرة على الإعلام الأميركي عدم ثقته بالإدارة الأميركية وكرر التمسك بالنشاطات النووية، بينما توقع وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي ان تنهي المحادثات، في حال نجاحها، الأزمة السياسية العراقية وتؤدي إلى قيام حكومة. وكل ذلك قبل ساعات من عقد مجلس الأمن جلسته الأولى للنظر في الملف الإيراني.

ووصف الناطق باسم الرئاسة الاميركية سكوت ماكليلان العرض الإيراني الذي قدمه لاريجاني الخميس، بأنه "تطور مثير للاهتمام". وقال: "بدأنا نرى بعض الإشارات الى أن النظام (الإيراني) بدأ يستمع". لكنه أظهر بعض التشكك في إجراء مثل هذا الحوار الأميركي – الإيراني، أما اذا حصل، فإن "ما نود أن نراه هو ان يغير النظام تصرفاته... عليهم الاضطلاع بدور مساعد في المنطقة. علينا الانتظار لنرى" لأنه "في الماضي، كنا متشككين في رغبة النظام الايراني في التجاوب مع هواجسنا". وأكد ان "هذا ليس مفاوضات بأي شكل. ستكون (المحادثات) لهدف وحيد هو تكرار بواعث القلق لدينا التي عبرنا عنها علناً... كررنا مراراً أننا قلقون من تصرف إيران في العراق ونشاطاتها في العراق، وهذا سيكون دور المحادثات".

وقلل أحد المسؤولين في البيت الأبيض شأن العرض الإيراني معتبراً أنه "مبالغ فيه" وان تصريحات مشابهة صدرت العام الماضي.

وفي سيدني، صرحت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بأن الحوار "ليس مفاوضات.. لقد وجدنا أن من المفيد تبادل المعلومات مع الايرانيين، وإذا فعلنا هذا فانه سيكون في شأن العراق... بينما (مجلس الامن) هو المكان الذي يجب أن تحل فيه مسألة" الملف النووي الايراني.

ورأى مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ان طهران تسعى بعرضها الحوار الى صرف الاهتمام عن الملف النووي.

وفي مقابلة تنشرها صحيفة "الموند" الفرنسية في عددها الصادر اليوم، أبدى خليل زاد استعداده لـ"الحوار" مع ايران. وقال: "نحن مستعدون للتحاور مع كل الدول المجاورة للعراق، بما فيها ايران. ولكن ليكن واضحا اننا لن نتفاوض معهم في شأن مستقبل العراق". وأضاف: "ينتابنا شيء من القلق من السياسة التي ينتهجها الايرانيون والدور الذي يعتزمون القيام به في العراق. سنبحث ذلك معهم، ونحن منفتحون على مناقشة كل المسائل المتعلقة في هذا البلد. لديهم مشاكلهم ولدينا مشاكلنا، سنبحث في ذلك".

وأعرب الديبلوماسي الاميركي عن اعتقاده أن "الحرب الاهلية غير حتمية" في العراق، وان يكن أقر بأن "الامن يشكل معضلة". ورفض فكرة انسحاب مبكر للقوات الاميركية لأنه يمكن نشوب ان "تزداد فرص عندها الحرب الطائفية وستهدد بتجاوز الحدود العراقية. ان مصير المنطقة ومستقبل العالم يتحدد هنا".

وكان البيت الأبيض أعلن الخميس السماح لخليل زاد بالتحاور مع الايرانيين، علماً أن الامر لا يتعلق بفتح باب "حوار" مع ايران.

ولا شك في ان هذا الحوار سيكون "مباشراً"، لغوياً على الأقل، ذلك ان خليل زاد قادر على إتمامه بالداري التي يتقنها بحكم ولادته في أفغانستان. ومع ذلك شدد على ان لا مساومات مع إيران. وقال لوكالة "الأسوشيتد برس" ان الحوار يجب ان يجري في بغداد وأن موعده لم يحدد بعد. وأضاف: "نحن لا ندخل مفاوضات في شأن العراق مع ايران. العراقيون سيقررون مستقبل العراق. لدينا أمور تبعث على القلق، وقد تحدثت عنها، في ما يتعلق بالسياسة الإيرانية في العراق... كلفني رئيس الولايات المتحدة التحاور مع الايرانيين في شأن مخاوفنا في أفغانستان، وسأقوم بالشيء نفسه هنا".

وجاء في بيان أصدرته السفارة الأميركية في بغداد ان "واشنطن ترفض تدخل إيران في الشأن العراقي"، وأنها تقوم بـ"نشاطات غير مفيدة في العراق".

إيران

وفي مقابلة نادرة مع وسائل الاعلام الاميركية، أبلغ لاريجاني إلى صحيفة "النيويورك تايمس" ان ايران تطلب من الولايات المتحدة "احترام" خيار الشعب العراقي والمزيد من التواضع. وقال :"أعتقد ان العراق ميدان جيد للتدريب يمكن اميركا من التفكير بعمق في الطريقة التي تتصرف بها... إذا ابدت الولايات المتحدة عزماً على التفكير، فإننا مستعدون لمساعدتها... قلنا مراراً اننا مصممون على المساهمة في ارساء استقرار العراق وتأليف حكومة ديموقراطية". لكن شرط ذلك هو "ان تحترم الولايات المتحدة خيار الشعب. يجب ألا يقوم الجيش باستفزازات خفية... لا نثق كثيراً (بالولايات المتحدة). لدينا بعض الشكوك في الطريقة التي يتصرف بها الاميركيون. اننا لا نسمع صوتاً واحداً بل اصواتاً غير متجانسة تصدر من الولايات المتحدة... اذا ارادت اميركا ان تكون قوة عظمى، عليها ان تتعلم اللياقة... يجب ألا تهين الاخرين".

وفي تصريحات أخرى، قال ان ايران تقوم بنشاطاتها النووية السلمية في اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الدول الغربية تعمل لحرمانها التقنيات النووية. كما ان "القضية النووية هي مجرد ذريعة للدول الغربية"، ولو لم يكن هناك الموضوع النووي، "لكانت فتحت ملفات اخرى. وعندما تقول وزيرة الخارجية الاميركية ان ايران هي المصرف المركزي للارهاب، فإنهم في صدد القيام بممارسات اخرى ضد ايران". واتهم واشنطن بالعمل لـ"القضاء على نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية".

وأكد متقي التمسك بالملف النووي "السلمي" و"غير القابل للتفاوض". وقال ان "الجمهورية الاسلامية ستجري محادثات مع الولايات المتحدة في شأن العراق للمساهمة في قيام حكومة هناك ولدعم الشعب العراقي".

مجلس الأمن

وبعد ظهر أمس بتوقيت نيويورك، كان مقرراً أن يعقد مجلس الأمن جلسته الأولى بكامل اعضائه للبحث في الملف الإيراني.

وتتركز المناقشة على نص أعدته فرنسا وبريطانيا بدعم من الولايات المتحدة. يدعو ايران الى الاستجابة لطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعليق النشاطات المتعلقة بتخصيب الأورانيوم، وذلك من أجل "اشاعة مناخ من الثقة" و"تهدئة مخاوف المجتمع الدولي". ويطالب طهران بإعادة النظر في بناء مفاعل نووي للأبحاث يعمل بالمياه الثقيلة ومعاودة تطبيق البروتوكول الاضافي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية الذي يتيح للخبراء الدوليين القيام بمهمات تفتيش مفاجئة. وسيكون على المدير العام للوكالة محمد البرادعي اطلاع مجلس الامن على مدى استجابة ايران لهذه المطالب خلال 14 يوماً. وهذه المهلة لا تزال موضع خلاف بين اعضاء مجلس الامن، اذ تعتبرها الصين وروسيا "قصيرة جداً".