اصدر البيت الابيض احدث نظرياته حول استراتيجية الامن القومي اول من امس، فحددت ايران باعتبارها «اكثر البلاد خطرا» على الولايات المتحدة اليوم. الا ان التقرير لا يقول لنا ما يجب علينا القيام به بخصوص ايران. ولكن فيما يلي ما اتصوره: ان اكثر الاشياء إثارة للخوف والرعب التي يمكننا القيام بها ضد ايران ـ فيما عدا هجوم مباشر ـ هو الخروج من العراق.
اما ثاني اكثر الاشياء اثارة للخوف والرعب تجاه ايران هو النجاح في العراق. أما اسوأ شيء يمكننا القيام به لجعل الايرانيين اكثر الشعوب سعادة، هو استمرار النزيف في العراق، ورعاية الركود هناك. وباختصار، بما اننا لن نغزو ايران، فإن افضل طريق نؤثر بها على الاحداث هناك هو ما نفعله في العراق.

دعوني أفسر الأمر: أنا لا اؤيد الانسحاب من العراق اليوم، ما دامت هناك فرصة لنتائج جيدة. ولكن اذا انسحبنا من العراق، فسيؤدي ذلك الى تعقيد الحياة فيه. فهناك العديد من الكلام الرخيص بأن ايران هي المستفيد الاكبر من الغزو الاميركي للعراق. لا تصدق ذلك تماما. مئات السنين من تاريخ بلاد ما بين النهرين توضح لنا ان العرب والفرس لا يتفاهمون جيدا.

وفي الوقت الراهن، فإن العداوة الطبيعية والتنافس بين العراقيين العرب والإيرانيين الفرس، بالرغم من انتماء اعداد كبيرة من ابناء البلدين للطائفة الشيعية، قد انكمشا بسبب الاحتلال الاميركي في العراق. لان الجانبين يمكنهما تركيز غضبهما علينا.

ولكن فور انسحابنا فإن العداوة الطبيعية بين العراقيين والفرس ستظهر مرة اخرى على السطح.

الثقافة والتاريخ والوطنية قضية مهمة. فإيران والعراق لم يتقاتلا لمدة 8 سنوات بطريق الخطأ، او لأن صدام كان في السلطة. وفور انسحاب اميركا من العراق، لن تكون هناك ورقة استراتيجية رابحة، بالنسبة لأي سياسي عراقي، لكي يعرف بأنه «موال لإيران» او أداة لطهران باعتبار ذلك أكثر أو أكبر سوءا.

والى ذلك، فإذا ما خرجنا من العراق اليوم، وكان على ايران السيطرة على الفوضى على حدودها، فسيتحول ذلك الى استنزاف كبير للطاقة الايرانية. فالعراقيون، للذين لا يعلمون، لديهم نزعة نحو العنف والاستقلالية. وأي شخص يعتقد ان العراق هو فاكهة ناضجة ستسقط في حضن ايران فور مغادرتنا، خاطئ، فلم ينتظر الشيعة العراقيون عدة قرون لحكم العراق من اجل تسليمه الى الفرس الايرانيين الشيعة.

ففي كتابهما حول الغزو الاميركي للعراق بعنوان «كوبرا 2» يقول مايكل غوردون وبيرنارد ترينور إن محاولة ردع إيران هي السبب وراء استمرار صدام حسين في تضليل العالم حول حقيقة اسلحة الدمار الشامل، حتى عندما لم يكن لدى العراق مخزون من هذه الاسلحة. وكان كل من العراق وإيران قد استخدم الغازات السامة ضد بعضهما خلال الحرب السابقة بينهما، ولم يكن صدام يريد ان تدرك ايران انه لم تعد لديه غازات سامة. وأشار غوردون وترينور الى تعليق لمدير الاستخبارات العراقية السابق خلال استجوابه بعد الحرب قائلا: «لم يكن اهتمامنا موجها الى قوات التحالف. كان اهتمامنا مركزا في الأساس على ايران وتركيا، فالجوانب الجيوبوليتيكية ذات طابع محلي بحت هنا».

يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة اذا خرجت من العراق، وإذا وجهت ضربات جوية للمنشآت النووية الايرانية، فإن ايران لن تستطيع ان توجه ضربة انتقامية بتوجيه صواريخها صوب أي تجمع ضخم للقوات الأميركية بالمنطقة، وذلك في حد ذاته سيمنح واشنطن حرية التعامل مع التهديد النووي الايراني.

الشيء الوحيد الذي يثير مخاوف ايران اكثر من احتمال خروج الولايات المتحدة من العراق، هو نجاح واشنطن في العراق. فقد اجريت انتخابات عامة مرتين في العراق مع حرية الترشيح والانتخاب، مقاربة بإيران، حيث يسمح بالترشيح للأشخاص الذين يصادق عليهم المحافظون. للعراق صحافة حرة مزدهرة، فيما يقمع رجال الدين في ايران منتقديهم.

كلما ثبت الشيعة اقدامهم في العراق، من خلال العملية الديمقراطية، تساءل الشيعة الايرانيون عن السبب في عدم حصولهم على نفس الحقوق التي يتمتع بها جيرانهم الشيعة العراقيون.

يضاف الى ذلك ان الأماكن المقدسة الرئيسية لدى الشيعة ليست في ايران، وإنما في العراق. فكلما انتعشت وازدهرت المراكز الدينية الشيعية رأى رجال الدين الايرانيون تدهور وتراجع نفوذهم، خصوصا في ظل تمسك غالبية الشيعة العراقيين، ممثلين بآية الله علي السيستاني، بمبدأ بقاء رجال الدين بعيدا عن السياسة.

لذا، فإن الخروج من العراق سيكون استراتيجية فاعلة ضد ايران. وسيكون افضل منها تحقيق النجاح في العراق. اما الاستراتيجية التي لن تحقق أي نوع من النجاح وتصب في مصلحة ايران، فهي بقاء القوات الاميركية في العراق واستمرار عدم الاستقرار على نحو تصبح فيه القوات الاميركية هدفا لغضب واستياء الكثيرين، بما في ذلك الغضب الموجه عادة الى طهران.