هذا عنوان فيلم وثائقي يعمل على إنتاجه المنتج الروماني- الأميركي ميتش أندرسون، وعلى إخراجه المخرج العالمي "جيسون توماريك" الحائز على جائزة "إيمي"، وملخصه أنه يبحث في كيفية صورة العالم لو أن أميركا -التي تتواجد قواتها في 100 دولة حول العالم- قررت العزلة والعودة إلى العالم الجديد محاطة ومحصنة بالمحيط الأطلسي شرقاً وبالهادي غربا، تحدها شمالاً كندا الباردة المسالمة، وجنوباً المكسيك الفقيرة المتعبة، وقبعت بين حدودها تاركة العالم وشأنه.

الفيلم الوثائقي الذي يتوقع أن يتم الانتهاء منه منتصف هذا العام يجري تصويره بين 23 دولة في قارات متفرقة من العالم.

في أميركا اللاتينية تدور الكاميرا مقارنة بين ثلاث دول هي بنما التي تعد جنة تحت الهيمنة الأميركية مقارنة بكوبا التي يرزح سكانها تحت مستويات الفقر والقهر، لكن شعب الأولى يرفض الهيمنة الأميركية التي يعتبرها احتلالاً يجب التخلص منه. فيطرح الفيلم مسألة الواجب الأميركي "الأخلاقي" تجاه شعب كوبا لتخليصهم من ديكتاتورية كاسترو! وفي فنزويلا التي تعيش على شفا حرب أهلية، يتساءل الفيلم: هل على أميركا التدخل للتخلص من نظام شافيز الذي قسم البلاد على الرغم من انحيازه لفقراء بلاده في مواجهة الجشع الاحتكاري في أغنى بلد نفطي في أميركا اللاتينية؟ أم تتركها وشأنها عرضة لحرب داخلية ستجلب المآسي على شعبها؟

تنتقل كاميرا الفيلم متسائلة عما سيحل بأوروبا لو تخلت أميركا عنها، هل ستصبح روسيا القوة القارية المهيمنة؟ وهل يمكن لأوروبا البقاء دون نفط الشرق الأوسط لو انقطع عنها بسبب الحروب؟ وهل كان تدخل أميركا العسكري في البوسنة مبرراً؟

كما يتساءل الفيلم عما سيحل بالشرق الأوسط لو انسحبت قواتها من العراق والخليج: هل تهيمن إيران على المنطقة؟ هل تستمر إسرائيل في البقاء؟ وهل لاقتصاديات المنطقة الاستمرار في حال خروج أميركا منها؟

ثم تعرج الكاميرا على شرق وجنوب شرق آسيا متسائلة عما سيحل بتايوان لو تخلت أميركا عن دعمها وحمايتها: هل ستجتاح الصين الجزيرة التي تعتبرها جزءا من أراضيها؟ وهل توحد كوريا الشمالية جنوبها بالقوة في حال سحبت أميركا قواتها في الجنوب؟ وكيف ستتعامل اليابان مع كوريا الشمالية في وقتها؟ وهل يمكن أن يؤدي الانسحاب العسكري الأميركي من اليابان إلى سباق تسلح صيني- ياباني؟

"العالم بدون أميركا" مسألة يتمناها الكثير من الشعوب حول العالم، ولكن ليست كل شعوب الأرض، فالمثل الشعبي يقول: "كلن يذكر ما واجه"، كما يقال: "يمدح السوق من ربح فيه"، فلن ينسى المسلمون في البلقان أنه لولا أميركا لما بقي منهم اليوم أحد، ويذكر الكويتيون أن القوة العسكرية الأميركية كانت الفيصل في عودة بلادهم التي احتلها صدام، والمنصفون الأوروبيون يسجلون لأميركا تخليصهم من النازية، فلولا أميركا لكانت الألمانية اللغة الأولى في باريس اليوم، ولكانت الفاشية تحكم إيطاليا واليابان حتى وقتنا هذا.

ولكن أماكن أخرى من العالم ترى عكس ذلك عن أميركا، فلولا الدعم اللامحدود لإسرائيل لحصل الفلسطينيون على بعض حقوقهم، ومن يرى في أميركا تخليصاً لليابان من الديكتاتورية لن ينسى لأميركا جريمتي هيروشيما وناجازاكي، وحربها ضد الشعب الفيتنامي قبل ثلاثة عقود، ولا دعمها للديكتاتوريات في عالمنا العربي وفي أميركا اللاتينية حتى وقت قريب، ومن يشيد بأميركا من العراقيين لأنها خلصتهم من صدام، يجد صعوبة في مدح إدارة أميركا لبلاده بعد سقوط النظام البعثي.

قد يعيش العالم بلا أميركا، ولكن هل يمكن للعالم أن يعيش بلا حروب في حال انكفاء أميركا؟ وهل يمكن لأميركا أن تعيش بدون العالم والتدخل في شؤونه بمبررات معقولة أحيانا وذرائع واهية أحياناً أكثر؟