هذا المصطلح لا علاقة له بالهواء، سواء كان المقصود بتكييفه تسخينه أو تبريده، ويعرف سكان المخيمات والأحياء الفقيرة التي يعيش فيها الفلسطينيون في أكثر من عاصمة عربية “التكييف” على انه إعادة تفصيل وإنتاج الملابس ذات الحجوم الكبيرة، خصوصا تلك التي يشترونها مستعملة من أسواق “البالة”.

وقد بدأ مصطلح التكييف مع “البقجة” التي كانت من ضمن الحصة المقدمة للاجئ الفلسطيني من وكالة الغوث، و”البقجة” لمن لا يعرفها هي الصرة المعقودة، وأطرف وصف فلسطيني لها هو ذلك الذي أطلقه الشاعر محمود درويش في احدى قصائده عندما قال على لسان لاجئة فلسطينية في أحد المطارات: بُقجتي قريتي، مذكرا شعبه بأن الزمن تغير وكذلك اللجوء والنزوح وهو الذي قال ذات يوم “وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر”. لقد جاء زمن أصبحت فيه الحقائب قرى وأوطانا وكذلك “البقج” التي تخضع لعمليات التكييف، لهذا كله يفهم الفلسطينيون مطالبة الرئيس محمود عباس لاسماعيل هنية بتكييف برنامجه السياسي كي يبدو مقبولا على صعيد دولي على نحو مغاير لما يفهمه العرب الآخرون.

التكييف لا يطيل القصير، ولا يضيف أكماما لما هو بلا أكمام إلا إذا لجأت الأم الى الترقيع، وأول ما يشترطه التكييف في الثياب والسياسة هو أن يكون الموضوع المطروح لهذه العملية أطول، أو أعرض من المطلوب، وبالتأكيد فإن تحفظات “حماس” الثمانية تشكل مثل هذه الاستطالة اضافة إلى شيء من التعقيد، وتكييفها يتطلب أحد أمرين: إما اختزالها المخل بحيث لا يتبقى منها سوى عينات صالحة للعرض والتداول، أو التراجع عنها بالجملة، لأن مصطلح المجتمع الدولي اصبح الآن ملغزا، وشديد الالتباس، تماما كما أن مصطلح الأمركة تخفى تحت قناع العولمة كي يصبح تمريره متاحا.

ان المجتمع الدولي الآن، هو الولايات المتحدة لأن ما تبقى من الكوكب مجرد هوامش، حتى لو وجد منها ما يتمرد نحو “المَتْن”. ويحاول المشاغبة لإثبات الوجود ولو على صعيد رمزي، كما تفعل موسكو أحياناً.

ان التكييف هو الفعل المعاكس للتأقلم، لأنه يأتي من الخارج ويفرض شروطه وقياساته، أما التأقلم فهو ذاتي، ومبادر، ويعلن عن رغبة في البقاء كما تفعل الكائنات كلها، من الآدمية والحيوانات والطيور حتى النباتات.

وقد يمر بعض الوقت و”حماس” تراوح بين التكييف حسب الفهم الفلسطيني له ومحاولة التأقلم، فالاشتغال بالسياسة له شروط، ولا بد للايديولوجيا حين تجازف في الاشتباك حول السلطة أن تفقد الكثير من تجريديتها الفكرية والمفاهمية، وهذا ما حدث مرارا، ولم تكن ايران الآيات التي تحولت إلى دولة بعد الثورة استثناء في هذا السياق.

فالسلطة تختبر منسوب العديد من الشرايين والمناعات والخلايا في أي ايديولوجيا وفي أي تيار سياسي.

وحين تطالب “فتح” منافسها الفائز في انتخابات أقر الجميع بأنها نزيهة بأن تتبنى برنامجها فإن ذلك ينطوي على قدر كبير من التكييف، بحيث يصبح الخياط مطالبا بتحويل معطف بحجم معطف غوغول الخرافي إلى قفازات صوفية للأطفال مثلا أو العكس.

وليست المسألة الآن في ترجيح برنامج سياسي على آخر، لأن البرامج لا تتنافس بمعزل عن حكم دولي منحاز، وما تطالب به “حماس” يأتي ضمن الإقرار بالأمر الواقع دوليا وإقليميا ولا يحتكم إلى منطق مجرد، أو أجندة وطنية مصفاة تماما ومستقلة.

هذا هو التكييف الذي يثير في الذاكرة الفلسطينية أشباحاً ودلالات هجعت لبعض الوقت، لهذا يفهمه اللاجئون والنازحون بعيداً عن الهواء والدعايات المتلفزة لأجهزته السحرية التي تحيل الصيف شتاء.. والشتاء صيفاً.