معاريف

عمير ربابورت

مقتطفات من مقابلة مع اللواء احتياط عاموس جلعاد
رئيس الهيئة الأمنية ـ السياسية في وزارة الدفاع
ثلاث سنوات مرت منذ ان اقتحمت أرتال مدرعات الجيش الاميركي بغداد لاسقاط نظام صدام حسين. اللواء احتياط عاموس جلعاد، الذي كان في تلك الايام "الشارح الوطني" (أي المسؤول الرسمي عن التوجه الاعلامي في اسرائيل)، قدر في تلك الايام مثل الكثير غيره ان نظاماً جديداً في العراق سيكون بمثابة رسالة واضحة بأن الارهاب لا يجدي نفعاً. ولكن الاميركيين اليوم ما زالوا غارقين في المستنقع العراقي 2314 قتيلاً حتى أول من امس)، والدولة الممزقة تحولت إلى بؤرة لأنشطة القاعدة. في نظرة إلى الوراء يعترف رئيس الهيئة السياسية ـ الأمنية في وزارة الدفاع بأنه لو كانت الولايات المتحدة قد وضعت ايران على مهدافها، وليس العراق، لكان من الممكن ان يبدو الواقع مغايراً اليوم.
وبالمناسبة، ألم تكن الحرب في العراق غير لازمة؟
ـ يتعين ترك الانتقادات بشأن ما اذا كان يجب مهاجمة العراق أو لا للاميركيين أو للمؤرخين. وفي كل الاحوال، أمور كثيرة مما يحدث منذئذ في المنطقة كانت ستجري حتى لو لم تحصل الحرب في العراق. لكن الأنباء الجيدة هي أن الأكراد يقودون في القسم الشمالي من البلاد جهازاً مستقراً جداً ومفاجئاً، لأنهم كانوا يقاتلون بعضهم بعضاً قبل الحرب. أما بالنسبة للأجزاء الجنوبية من العراق فالأنباء أقل إيجابية. الوضع اشكالي لأن السنة لا يسلمون بفقدان التفوق على الشيعة. السؤال هو هل ان استقرار الوضع هناك سيؤثر على الشرق الأوسط برمته. ليس من المرغوب ان يكون العراق بؤرة لتصدير ارهاب القاعدة".
هل يحقق الاميركيون أهدافهم؟
ـ المواجهة ضد محور الشر ليست بالأسلوب العسكري الذي طرح ذات مرة، وهي لا تحسم خلال ستة أيام أو ثلاثة أسابيع كما كان سائداً في الحروب السابقة. الأمر أشبه بحرب المائة عام بين انكلترا وفرنسا، للجهود الهائلة التي يبذلونها ثمة نتائج ايجابية حكماً، والدليل أنه لم تحدث عملية على أرض الولايات المتحدة منذ عام 2001.
المؤسسة الأمنية تري الأمور السوداوية فقط بشكل عام؟
ـ ليس كل شيء أسود. الوضع في الشرق الأوسط وفي العالم تغير جداً منذ آذار 2003، ولكن هناك محورين متناقضين تماماً. في المحور الايجابي هناك دول تؤيد السلام وتكافح الارهاب، مثل مصر والأردن والمغرب وحتى ليبيا، التي تخلت بشكل مفاجئ كليا عن قدراتها النووية المتقدمة وانتقلت الى المعسكر المؤيد للغرب. في لبنان أيضاً هناك تطورات ايجابية حيث أنه بعد اغتيال رفيق الحريري بدأ الناس يتنفسون الصعداء والحرية والرغبة في التحرر من القمع، الامر الذي أدى إلى رحيل سوريا. دول ريادية في العالم مثل اميركا وفرنسا تبذل قصارى جهدها لتعميق هذه الظاهرة ومحاولة إبعاد حزب الله من لبنان لفرض السيادة اللبنانية على كل اراضي الدولة. هناك عموماً في العالم اليوم ادراك واستعداد أكبر لمكافحة الارهاب، ومخاطر مثل القنبلة النووية الايرانية، وهذا جيد جداً.
ومع ذلك؟
ـ ولكن مقابل هذه الأمور الايجابية لدينا الجانب السلبي والخطير. بصورة بطيئة يتنامى محور يهدد هذه الخارطة ويبدأ من ايران. ايران كانت على رأس اهتمامات الاستخبارات الاسرائيلية منذ عشر سنوات. التقدير كان أنها ستحصل على صواريخ تغطي بمداها كل اسرائيل. وهذا ما حدث فعلاً قبل عامين إلى ثلاثة. كما قدرنا أن عام 2005 سيكون انعطافا في المشروع النووي. الأمر تأجل قليلاً بسبب الضغط الدولي على إيران. ولكن اللحظة الانعطافية قد حانت الآن. الوضع في ايران هو ان هناك تنافساً حول من الأكثر تطرفاً. على خلفية ما يحدث في ايران ظهرت في لبنان دولة شيعية متطرفة من المدرسة الايرانية تقدس الارهاب واسمها "حزب الله ستان". هذا تطور خطير جداً.
لم نتحدث عن حماس بعد؟
ـ صحيح، الآن قام نموذج في السلطة الفلسطينية من طراز حماستان. هذا تصور شامل يسعى لاقامة نظام وفق الشريعة الاسلامية كي ينضم لاحقاً إلى الاخوان المسلمين في دول المنطقة الأخرى، وربما لاقامة في المستقبل البعيد دولة شريعة اسلامية واحدة، لن تكون مستعدة للتسليم بوجودنا. حماس تنتمي للتيار السني من الاسلام، وحزب الله للتيار الشيعي، ولكن هاتين البؤرتين متحمستان جداً لتحقيق اهدافهما يضرب اسرائيل وتتعاونان الآن فيما بينهما، خلافاً للوضع القائم بين السنة والشيعة في العراق حيث ان ما يفرق بينهم أكبر من الذي يجمع بينهم. أما بالنسبة لسوريا، فقد كانت في عام 2000 مستعدة للتوصل الى سلام مع اسرائيل، ولكن الأسد وضع ثقله في السنوات الأخيرة على محور ايران ـ حزب الله.
وهل حماس تشكل خطراً كبيراً إلى هذا الحد فعلاً؟ ذلك أنه يصدر
عن قادتها في الفترة الأخيرة ايضا تصريحات معتدلة تتجنب الارهاب؟
ـ يتوجب ان نقول أمراً واحداً جيداً بصدد حماس، وهو أنهم صادقون. هم لا يستطيعون تغطية أهدافهم الاستراتيجية. السلطة بقيادة حماس التي لا تعترف بنا، لا تستطيع ان تكون قائمة بالنسبة لاسرائيل. هذا تهديد استراتيجي خطير جداً لانهم ينوون تعزيز قواهم. ليس لدى حماس مشكلة بالتمسك في كل أنواع الصيغ الضبابية إزاء الخطط على المدى القصير، لكنهم يريدون في الواقع بناء بنية تحتية عسكرية الى جانب الذراع الارهابي. منذ اللحظة التي ستحصل فيها حماس على الحكم فعلياً، سترغب في السيطرة على السلطة الفلسطينية. من المحظور هنا أن نغلق عيوننا.
هل نستخلص ان وضعنا الاستراتيجي افضل مما كان قبل اندلاع الحرب في العراق أم أسوأ؟
ـ سأرد عليك كمتنبئ. الوضع الآن مشابه للتوقعات التي تكون فيها السماء صافية، ولكن سحبا سوداء تلوح في الافق. كما في الارصاد الجوية، هذه السحب قد تتبدد في لحظات وتبقى السماء صافية. الفارق مقارنة بحالة الطقس هو ان لدينا تأثيراً على وضعنا الاستراتيجي، وأن هناك سياسة دولية مؤيدة لنا. اذا لم يتعزز محور ايران ـ سوريا ـ "حزب الله ستان" وحماستان ولا يكون تهديد وجودي حقيقي لنا، فان السماء ستبقى صافية.