في اليوم الذي كانت فيه العواصم العربية تطلق استعداداتها للقمة المقرر انعقادها في السودان – الذي يعاني ظروفاً مأسوية ولا أصعب، مما يفرض ان نتوقّع أجواء جدية في البحث مسؤولة، ونظرة الى المستقبل العربي رؤيوية تعوّض الصورة التي خلّفتها قمة السودان عام 1968، غداة الهزيمة الكبرى في حرب حزيران، صورة "اللاءات الثلاث" التي حملناها الى الأمم المتحدة، حيث لم نتمكن من ممارستها الا في الخطب الطنّانة الرنّانة التي لم تمنع القرارات الدولية من أن تأتي مؤكدة للهزيمة وليست غاسلة لعارها الذي كنا قد ابتكرنا لغسله لفظة "النكسة"...

في هذا اليوم بالذات، اختار رئيس الجمهورية اللبنانية الفاقد شرعيته، وبالتالي شرعية تمثيله لبنان في القمة، وخصوصاً الإنفراد بهذا التمثيل محاطاً بوفد فضفاض ممن لا يألف غير رفقتهم ومشورتهم: ثمانين عنصر أمنٍ وحراسة...

اختار الرئيس ان يمارس "بروفة" لخطبته من على القمة في دور حكواتي شامي "مدردش" وكأن جمهوره في السودان لا يعرف عن لبنان و"أزمة الحكم" التي يعاني ما يجعله يضحك طويلاً من محاولة وصف هذه الأزمة بأنها مجرّد حكاية "ودٍ مفقود" لم يكن في الحقيقة – قال – مفقوداً، بل قامت مؤامرة طويلة عريضة تصوّر الأمر هكذا، وبأي ثمن؟: أفظع سلسلة اغتيالات بربرية متتالية في أقل من سنة تسببت بزلزال بل زلازل سياسية وحّدت الشعب اللبناني واطلقته في أعنف مطالبة استقلالية انتهت بجلاء جيش – ولو شقيقاً – ظلّ يتحايل على قرارات "اعادة انتشاره" طوال ثلاثين سنة من الوصاية الأمنية المخابراتية التي أعدمت الحياة السياسية في أعرق ديمقراطية عربية... وآثارهم حتى في أدوات التعذيب وفضائح الفساد والإفساد تدلّ عليهم، بينما الرئيس "لم سمعنا، لم رأينا"، وحسبه ان "الانتربول كان قد صنّف لبنان الدولة الآمنة الأولى" (كذا بالحرف الواحد!!!) الى ان انفجرت "المؤامرة الدولية" "يغطيها الاعلام المتآمر معها" (الرئيس لا ينسى الاعلام ولا مرة، ولعله لا يغفر له عدم التصفيق والطبل والزمر لأحاجيه التي نعمت، ولعله لا يدري (؟)، بأضخم التغطيات الإعلامية المصطنعة ولا من يأخذها جدياً ولا من يجهل كلفتها من المال المؤتمن عليه مصرف لبنان المركزي وحاكمه المرشح للخلافة وضرّته "بنك المدينة" (أية "مدينة"؟ لعلها مدينة الأحلام الزائفة، كما في روايات الحكواتية الشوام وهم الأبرع...)

بدورنا نسأل فخامة الرئيس الحكواتي:

أوَيريدنا ان نصدّق، مثلاً، ان اصحاب المؤامرة هم الذين اغتالوا رفيق الحريري ربما لمعاقبته لأن مؤامرته فشلت؟... فجعلوه شهيداً ثوّرت شهادته (ولعلها كانت "استشهاداً ذاتياً"!) لبنان كما لم يثر من قبل ولم يتوحّد، وفرضت على دول العالم بأسره احترام هذه الشهادة والثورة، والحج الى بيروت لتحيتها... محتقرة الرئيس المتهكّم السمج الساخر، محتقرة حتى موقعه، فكيف بلا-شرعيته وكيف بتفسيراته "التاريخية" الصبيانية؟

نصيحتنا الى الرئيس الحكواتي؟

ان يطوي أوراقه ويحافظ على البقية الباقية من كرامته، احتراماً لا لذاته فحسب – وهذا ليس المهم – بل احتراماً للمجتمعين في القمة العتيدة لأن المآسي المطلوب منهم ان يجدوا لها علاجات لا تجعلهم شديدي الإقبال على المسرحيات الهزلية، ولو كانت من تأليف رؤساء!

ورؤساء يُفترض فيهم ان يطرحوا على القمة مشاريع حلول للأزمات التي يطلبون مشاركة الدول الشقيقة في حلّها على غير طريقة ابتكار وسيلة لبعث "ودٍ مفقود يصالح القتيل مع قاتله"!!!

وبعد، وبعد، وبعد قبل ان نكتفي:

سؤال الى الرئيس قائد الجيش الذي كرر ان لا دماء لوثت يديه شأن سواه:

سؤال: ودماء الضباط وصف الضباط والجنود اللبنانيين الذين تسلّم أهلهم بعض رفاتهم بعدما أعلنهم الجيش شهداء، بالذات يوم المسرحية التلفزيونية للقائد!

هؤلاء، وقد دفنوا في مقبرة جماعية تحت أرض تحوّلت ملعب "فوتبول" ظلّ يستعمل مذذاك الى ان انكشف أمرهم أخيراً، بل أخيراً جداً... ونتيجة حملة مركّزة من الإعلام إياه الذي يشكو فخامته من تآمره!!!هؤلاء، أوَليس من أيدٍ تلوثت بدمائهم، وظروف استشهادهم التي نعرف كلنا انها كانت معروفة من فخامته – كي لا نقول اكثر –، فهل يظن ان في وسعه الإستمرار في تعمية الحقيقة؟

أية أيدٍ تلوثت بدمائهم، يا فخامة الحكواتي، ولماذا كان ممنوعاً طوال هذه السنين حتى السؤال عن الأمر؟

... والمضيّ باللعب بـ"الفوتبول" فوق جثث الشهداء المخفية، لا عن التكريم فحسب، بل حتى عن الوجود؟