نجيب نصير

عند الاحتكاك مع حداثة أي عصر، تتضح ثقافة الشعوب وأخلاقياتها، وكأن بالمحدث هو أداة حت تظهر الأصلي أي ما تحت الشعارات والادعاء لأن هذا الاحتكاك الكاشف ينقل هذه الثقافة من واقع الحكي إلى واقع الممارسة، عندها تتكشف التشدقات والرسائل المزيفة وأباطيل الغزل بالذات.

لكل عصر حداثته تكشف عن أخلاقياته الناتجة عن ثقافته المجتمعية، فثقافة عصر الانحطاط الأوربي كشفت عن مدى السقم الديني الذي ينتج عنفا وبلادة وانتقامات لا تفضي الا إلى التكاره والدماء في بشائر احتكاكها مع ثقافة عصر النهضة المحدثة، وكذا الاحتكاك الأمريكي حيث أعاد إنتاج الكاوبوي والشريف والمجرم ومشانق الأشجار والكوكلكس كلان وذلك عبر احتكاكه مع ثقافة الإنتاج التنافسية المحدثة، وإذا كانت الثقافة الأمريكية استمرت في نهجها الاعتدائي العنفي، فأن الثقافة الأوربية كانت دائما ولما تزل تحاول إيجاد مقابلات لهذه العنفية القروسطية في وسط تنافسي عالمي قد يبعدها او يقربها من الاعتدائية الاميركية.

ولكن ماذا عن احتكاكنا نحن شعوب العالم الثالث ومن ضمنها الشعوب العربية بالحداثة ؟؟؟ لقد أظهرت المعاصرة بمنتجاتها وآلياتها ما لدينا من إمكانيات ثقافية ومعرفية على حقيقتها، حيث استطعنا تقزيم ومداورة كل القيم الحداثية لنجعل منها أصنام قابلة للهدم في أية لحظة أردنا لها ان تهدم محتفظين بخط رجعة إلى الماضي هو من الاتساع والقوة ما يجعلنا قاب قوسين او أدنى من الدمار والاندثار. فإذا لم نذهب إلى رواندا ومذابحها فعلينا الالتفات إلى لبنان او حتى العراق في محاولة للتوازي مع العصر، ففي لبنان آخر صيحات الموضة في مقابل أكثر مشاعر الطائفية بدائية وكذا في العراق حيث تحول أخر منجزات علوم الحداثة إلى أداة إذكاء أول الحروب ( الفتن ) العربية، لن نقول ان هذا آخر ما حرر... بل حتى علاقتنا بأدوات العصر من بيروقراطية ودولة وقوانين وأنظمة كلها تحولت بقدرة ثقافتنا الأصيلة إلى معاكساتها او إلى أقزامها او إلى ما يفضي إلى العنف والقسر والإكراه والأنانية، ووضعت حاجزا لا يفنى بينها وبين هذه الأدوات حاجز عقائدي إيماني عميق هو التشبه بالغرب حاجز يمكن مقارنته دوما بالكفر، لتتفرع عنه مقولات الاصالة والخصوصية والهوية والخ والخ....ولكن هذا الاحتكاك يفضح هشاشتنا وهشاشة بنيتنا الاجتماعية والتي يفترض وحسب التنظير لعراقتنا ان تكون ليس صامدة فقط في وجه التشبه بالغرب بل منتجة هادية ورسالية ولمن أين هي اليوم، فالبيروقراطية كنظام إداري هي الفساد بعينه، والأديان التي هي رسائل سلام اجتماعي وكوني هي ذرائع القتل والاقتتال، والمعلوماتية والاتصالات حدث ولا حرج عن تهافت الاستخدام وجرميته، وبعدها ماذا يمكننا ان ندعي ؟

يمكن الادعاء ان التفسير تفسير ثقافتنا وأخلاقياتنا يخضع لسوء النية والخطأ المقصود، كما يخضع للعداء الإعلامي غير المتوازن والغزو الثقافي الجائر، ولكن ماذا قدمنا نحن كي يفهموننا بطريقة صحيحة ؟؟؟ سوى ترداد كلمة اصالتنا اصالتنا، ان الاحتكاك الحقيقي مع المحدث لا يصنع هذه العقدة الضخمة من الخوف... هذا إذا كنا أصليين فعلا !!!!!