احمد قنديل

لفت نظري وانا اطالع في إحدي المجلات ، مقطعا عن ترجمة لكلمات قالها الرئيس الامريكي السابق لندون جونسون في ذروة الازمة والحرب والقصف الامريكي في فيتنام يصف وضع الجيش والادارة والرآسة الامريكية فيها ، قال :

لا استطيع ان اخرج من فيتنام ، ولا استطيع ان انهي الحرب بما هو في حوزتي ، ولا اعلم ماذا افعل ، لست مؤهلا مزاجيا لأن اكون قائدا اعلى

((( كانت امريكا في ذلك الوقت تحشد نصف مليون جندي امريكي ومئتي الف جندي من الحلفاء ونصف مليون جندي من الفيتناميين الجنوبيين ، واربعة آلف طائرة حربية ،ىللاف الدبابات والمدرعات والمدافع من كل الاصناف ، وحاملات طائرات ، وميزانية عسكرية مفتوحة ))) .

ويتابع القول : اننا سنقوم الان بضرب هؤلاء الناس بالقنابل ، لقد عبرنا الحاجز ، ولا اعتقد ان شيئا سيكون سيئا كالخسارة، ولست أرى سبيلا للنصر ،((( خرجوا مهزومين امام مرأى كل العالم ولا زلنا نحتفظ بمنظر الجنود الامريكيين الذين تعلقوا بأطراف طائرات الهليوكوبتر للفرار يوم تحرير سايغون )) ... ويقول ايضا : ان الفييتكونغ يأملون في ارهاقنا ، اعتقد انهم سيصمدون اكثر منا ، إن الواحد منهم ينزل في اخدود فيبقى يومين او ثلاثة من دون ماء او طعام ، منتظرا نصب كمين ضد جنودنا ، اما الأمريكي فلا يبقى هناك اكثر من عشرين دقيقة وتشاء اللعنة ان يطلب منا لفافة تبغ او قطعة من الحلوى !!! ........

بعد قراءة هذه الكلمات فكرت بالذي يجري في العراق وفلسطين وكل على حدة ومعا .

اذا غيرنا عبارات تخص فيتنام بعبارات تخص العراق فإني اجدها تنطبق على العراق الان والرئيس الامريكي الحالي جورج دبليو بوش والوصف للمقاومة الفيتنامية يوازي الوصف للمقاومة العراقية الراهنة والوسائل المتبعة في مواجهة الشعب الفيتنامي في ذلك الوقت تشابه الوسائل المتبعة الان في مواجهة الشعب العراقي ورجال المقاومة وانصارهم ، ولكن الشيء الجديد الذي تمارسه قوات الاحتلال الان ولم تستطع ممارسته في فيتنام ، هو تطوير التناقض بين الفئات والطوائف والاثنيات العراقية وصولا الى مرحلة تكون الحرب الاهلية الواقعة الان بين العراقيين غطاء للإنكفاء الامريكي و لإندحار قواته والاحتلال من الاراضي العراقية

وما علاقة ذلك بفلسطين ؟؟

هنا اتذكر تلك المرأة الامريكية ( سيدني شيهان ) من كاليفورنيا التي فقدت ابنها ( كايسي ) قتيلا في العراق وهي تصرخ امام البيت الابيض !! وتقول للرئيس ماذا فعلت بإبني ؟؟، سيدي الرئيس لماذا قتل ابني في العراق ؟؟ والتي تحولت قضيتها الى شأن امريكي استثار اهتمام العديد من الشرائح الامريكية والتعاطف معها الى درجة مناصرتها بالاعتصام معها امام خيمتها في مواجهة البيت الابيض . وشكلت ظاهرة مناهضة للحرب استقطبت حتى النخب العليا من الشعب الامريكي .

هذه المراة التي تشكلت من صرختها نواة جامعة ضد الحرب في العراق وجمعت حولها الكثير من مناهضي الحرب والعدوان متضامنين معها

و التي شكلت في مرحلة ضميرا لكل المناهضين للحرب والاحتلال ، اطلقت صرخت غير عادية بعد ذلك بدعوتها الى انسحاب القوات الاسرائيلية من كل الاراضي الفلسطينية المحتلة واعلانها ان ابنها كايسي ما قتل في العراق إلا دفاعا عن اسرائيل والاحتلال الاسرائيلي وان ابنها قتل ثمنا للأكاذيب التي اطلقها المحافظين المتصهينين الجدد وخدمة لإسرائيل ، وبذلك تكون قد كسرت وتجاوزت كل المحرمات الاعلانية والاعلامية والسياسية والدينية المتطرفة الامريكية وكل المحاذير والضوابط الاعلامية في وسائل الاعلام الامريكي ، وهنا نجد ان الضغط والصخب والتشهير الذي تعرضت له هذه الام الثكلى بإبنها من المجموعات اليهودية والصهيونية ولوبيات الضغط الاسرائيلي واليمين الامريكي المتشدد والمتطرف والداعم للحرب في العراق والمؤيد لإسرائيل ، جعل حركتها تنطفيء فجأة ولم نعد نسمع عنها شيئا بعد ان كانت محط انظار كل وسائل الاعلام الامريكية والعالمية حتى اننا لم نعد نعرف مصيرها هل ما زالت امام البيت الابيض معتصمة في تلك الخيمة التي اطلقت عليها اسم ابنها كايسي او ماذا جرى لها ، لدرجة انه منذ شهرين ومنذ ان اطلقت صرختها بالانسجاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية لم نسمع عنها خبرا واحدا حتى ولو كان في مستوى سطر ،من أي وسيلة من وسائل الاعلام كافة بعكس المرحلة التي سبقت تصريحها الخاص بفلسطين .

هنا اعود الى العراق وفلسطين معا ، ما الذي يجري ترتيبه ؟؟

في العراق نجح الامريكيين وقوات الاحتلال بزرع بذور وجذور حرب اهلية تزداد يوميا اشتعالا واوارا وقودها الشعب العراقي وادواتها البشمركة الكردية وقوات بدر الحاقدة على كل ما هو قومي او عربي او نخب وطنية عراقية .....

وفي فلسطين يزداد يوميا التباين والذي يشير الى تعارض ومن ثم الى تناقض بين جماهير وكوادر حركة فتح وشريحة واسعة من الشعب الفلسطيني ، وبين الاندفاعة التي تمثلها حركة حماس ومناصريها التي تحمل في طياتها بعد الذي جرى في المجلس التشريعي الاخير بذور صدام حتمي . واكرر ان حتمية الصدام ليست ناتجة عن حمل افكار المقاومة وتجذيرها والتباين في وسائلها ، بل ناتجة عن السعي والتعبئة لإلغاء الاخر الفتحاوي وجودا وتاريخا ومستقبلا ... هذا الاخر الفتحاوي هو الذي قدم لحماس وللشعب الفلسطيني النموذج الارقى للالتزام الديموقراطي وتداول السلطة .. وهذا الذي يجري ان استمر على هذا المنوال سيقود الى صدامات ، والكل مسلح ، وهنا نتسائل بحذر شديد هل لدينا ادوات فلسطينية كما في العراق تخرج الإسرائيليين من مأزقهم ؟؟؟ كما تخرج الان قوات بدر في العراق قوات الاحتلال من مأزقها

والايام مازالت حبلى بالكثير في كل المنطقة العربية والاسلامية ،.. باكستان ومخاضها في افغانستان ، ومخاض ايران في كل من العراق ولبنان ، و لبنان وادواته الجديدة القديمة لإدارة صراع محلي واقليمي ، السودان و ودارفور ومفاعيلها والكثير ...

كم من الارواح ستزهق في البلاد حتى يخرج الامريكيون والاسرائيليين من مآزقهم الاحتلالية ((( ذكر في وسائل الاعلام ان الفلسطينيين قد فقدوا اربعة آلاف شهيد وخمس وثلاثون ألف معتقلا منذ العام 2000 وحتى اليوم ))) وكم من الدمار سيصيب الامم حتى يندحر الكولونياليين الامريكيين ووكلائهم في المنطقة ، وهل سيطول الزمان قبل أن نرى اندحار الأمريكان كما حصل في فيتنام ....

إننا نشتم رائحة الفضائح الامريكية والتخبط الاسرائيلي من بين كلمات مسؤلييهم وقادتهم فمتى يا ترى نرى الانهيار ؟؟؟