معاريف

عاموس غلبوع

يوشك على الصدور التقرير الاجمالي لمديري "مؤتمر هرتسليا"الأخير، الذي عقد بين 21 ـ 24 كانون الثاني، أي عشية الانتخابات التشريعية الفلسطينية. الحديث في واقع الأمر عن تقويم وضع متخصص وموضوعي للامن القومي لدولة إسرائيل. ففي موسم انتخابات بالذات، حيث تصدر سخافات كثيرة عن أكثر الساسة المتنافسين، توجد اهمية خاصة للنظر في عدد من التأكيدات الرئيسة لهذا التلخيص المتزن.
صورة المنعة القومية والمدنية والامنية لاسرائيل في سنة 2006 هي كما يلي:
المنعة الامنية تبعث على الرضى. فاسرائيل تتمتع بتفوق عسكري عام على جميع جاراتها وأعدائها. وفي الوقت نفسه، في الأفق القريب والبعيد تتطور تهديدات استراتيجية تقتضي استعداداً للكفاح (ايران، والاسلام المتطرف وفي مركزه حماس، وغير ذلك).
والمنعة الاقتصادية جيدة، فوضع اسرائيل الاقتصادي تحسن في سنة 2004، وتعزز في سنة 2005 (الناتج للفرد ارتفع، وانخفض الدين العام، وعاد المستثمرون الاجانب إلى إسرائيل، وانخفضت البطالة وان تكن نسبتها ما تزال مرتفعة). لكن استمرار النمو ليس مضموناً وثمة حاجة إلى استثمارات أخرى للحفاظ عليه.
المنعة المعنوية مرضية. فمستوى الخوف من الارهاب ما يزال ينخفض، وسجل استقرار في مستوى التفاؤل الوطني. في مقابل ذلك يستمر انخفاض ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة وعلى رأسها الكنيست.
المنعة الاجتماعية في انخفاض بازاء تفشي الفقر، والفروق الاجتماعية ـ الاقتصادية ونسبة البطالة العالية نسبياً.
المنعة الادارية ـ الديموقراطية في انخفاض متواصل. صورة اسرائيل في العالم في كل ما يتعلق بالحفاظ على القانون ورقابة موضوع الفساد تثير القلق. ان اعادة بناء سلطة القانون أصبحت مهمة حيوية.
الشعور الوطني الاسرائيلي (الاستعداد للتضحية، والتمسك بالجذور، والاعتزاز وأهمية الشعارات) مرتفع اذا ما قيس بدول أخرى، وبخاصة في مجال الاستعداد للتضحية، لكن الشيء المقلق هو أن مستوى الوطنية ينخفض بين ابناء الجيل الشاب وعند ذوي الايرادات المنخفضة.
لكن ماذا بالنسبة لمنعة اسرائيل ومكانتها بين أمم العالم؟ يعرض التلخيص توجهين متناقضين. من جهة، وضع اسرائيل في الساحة الأوروبية تحسن جيدا بالقياس إلى الحضيض الذي كانت فيه السنين السابقة. وكان ذلك في أعقاب تعرض الأوروبيين للارهاب الاسلامي وخيبة املهم من الفلسطينيين. هذا التحسن وجد التعبير عنه في الاعلام، وفي الرأي العام وفي تعميق العلاقات بحلف الناتو.
ومن جهة أخرى، تلوح عوامل تآكل في مكانة اسرائيل الجيدة في الولايات المتحدة، حيث تكمن اسباب ذلك في توجهات سياسية وجيلية داخل المجتمع الاميركي. على هذه الخلفية عادت وأثيرت الدعوة إلى سياسة خارجية إسرائيلية، تسعى إلى تحسين علاقاتها بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، إلى درجة الاندماج الكامل.
وفي الوقت نفسه، الظاهرة المثيرة للاهتمام في هذا التلخيص أكثر من غيرها هي المواقف المنقطعة عن الواقع شيئاً ما، التي عرضها في المؤتمر المتنافسون الثلاثة على رئاسة الحكومة في قضية التسوية مع الفلسطينيين. بالرغم من ان قضية تعزز حماس ومخاطرها صدرت عن عدد غير قليل من الناطقين المتخصصين، فان المتنافسين لم يتطرقوا اليها. لا توجد حماس! بقي الجميع متمسكين بأجندتهم السياسية. فأولمرت اكد تنفيذ "خارطة الطريق" وألمح إلى إجراءات احادية الجانب اذا لم يف الفلسطينيون بالتزاماتهم، أي، نزع سلاح حماس؛ وأكد بيرتس الحاجة الى التوصل إلى اتفاق سلام بتفاوض مباشر، لكنه قال بصراحة انه اذا لم يكن شريك في المحادثات فعلى إسرائيل ان تعمل للانفصال عن الفلسطينيين؛ وأكد نتنياهو مبدأ التبادلية في التفاوض ورفض انسحابا احادي الجانب بلا مقابل.
وها نحن بعد شهرين من فوز حماس، ونتنياهو يتشدد في موقفه، واولمرت يتوجه بصراحة إلى إجراء احادي الجانب ("انطواء")، وماذا عن بيرتس؟ انه الان خاصة يرى ان ابو مازن هو الشريك المناسب في تسوية سلمية سريعة، يوافق عليها الجمهور الفلسطيني باستفتاء شعبي. وكأنه لا توجد حماس، وكأنه لا توجد حكومة حماس، وكأن أبو مازن اصبح فجأة بوباي، يجر وراءه الجمهور الفلسطيني إلى تسوية سلمية مع اسرائيل. هل ثمة حد لتجاهل الواقع الجديد؟.