«القط يحب خناقه» مثل شعبي شائع في غالبية المجتمعات العربية مع اختلاف في لفظة القط من مجتمع الى آخر حسب اللهجة، فمنهم من يستخدم البس او السنور او القطو كمرادف لكلمة القط، ولكن الفكرة واحدة وهي محبة المظلوم لمن يقوم بظلمه, المهم ان المقصود هنا بالقط او البس هو المواطن العربي صاحب الشعار الخالد «بالروح بالدم نفديك يا,,,»، هذا المواطن ورغم الذل والاحتقار الذي يلاقيه على يد «القائد الرمز» او «هبة السماء الى الارض» تجده يمجده ويسهب في ذكر «مآثره وبطولاته» حتى لو كانت هذه البطولات ليست إلا تهشيما لجماجم الابرياء واستباحة للمقدسات وانتهاكا للحرمات.

اقول هذا الكلام لمناسبة ما يكتب من تعليقات في المواقع الاخبارية على الانترنت التي تتناول اخبار محاكمة صدام, احد هذه المواقع نشر قصيدة شعرية حماسية منسوبة لصدام وهو قابع في سجنه يتحسر فيها على «حضارة العراق» التي حطمها الاميركيون، وكيف انه «سجين ولكن روحه طليقة», غالبية التعليقات التي وردت على قصيدة صدام تمجد بطولته وشجاعته حتى مع اعتراف بعض اصحاب التعليقات بأن صدام كان حاكما ظالما،ومع الاسف، فإن من ضمن المعلقين اشخاصا عراقيين وكويتيين وهم اكثر الذين خبروا جرائم صدام وعرفوا طغيانه, مثل هذه التعليقات تؤكد على حقيقة ان «القط العربي» لا يكتفي بحب خناقه، بل يهيم به حباً وعشقاً.

هل يمكن ان نجد تفسيرا مقبولا لحالة «القط العربي» الذي يحب خناقه، علما بأن هذه الحالة ليست وليدة اليوم، بل هي موجودة بشكل واضح في تاريخ المجتمعات العربية عبر التاريخ, اعتقد ان تفسير هذه الحالة المرضية التي يعاني منها «القط العربي» مرتبط بالثقافة العربية التي كونت الشخصية العربية والتي تعشق الانسان المتسلط على الآخرين حتى لو كان شريرا، ولأن الشخصية العربية شخصية عاطفية بطبعها فإنها تعشق الخطب الحماسية وتطرب لها وكأنما هذه الحماسيات تنعش وتدغدغ خيال هذه الشخصية.

العقلية العربية التي تسيطر علىها فكرة «قهر الآخر» هي التي صنعت وتعيد تصنيع صورة الطاغية، لأنها تجد فيه شخصية البطل القوي المتسلط, مثل هذه العقلية الديكتاتورية للجماعة هي التي تغذي ديكتاتورية الفرد، كما يقول محمد جابر الانصاري، ولا نجد في التراث العربي تجسيدا لهذه العقلية افضل من قول ابن هانئ الاندلسي مخاطبا الخليفة الفاطمي بقوله:

ما شئت لا ما شاءت الاقدار
فاحكم فإنك انت الواحد القهار
وكأنما انت النبي محمد
وكأنما انصارك الأنصار
الى ان تتغير العقلية العربية وتتخلص من عشقها لشخصية الطاغية المستبد الذي يقهر الآخرين، فإن هذه العقلية هي التي سوف تستمر في تهيئة البيئة المناسبة لظهور الطغاة، واذا كان صدام كرمز للحاكم المتسلط سقط في ظل ظروف تدخل خارجي، فإن العقلية العربية سوف تعيد انتاج امثال صدام مرة اخرى، وسيستمر القط العربي في التصفيق لخناقه.