يقول مسؤول سابق ان المشكلة ليست في الاتفاق على اختيار رئيس جديد للجمهورية، انما هي قبل اي شيء آخر في تنحية الرئيس اميل لحود وبأي طريقة قبل البحث في من يكون خلفاً له والدخول في خلافات حول اختيار هذا الخلف".

لقد كرر الرئيس لحود بحزم انه باق في منصبه حتى آخر ساعة من ولايته الممددة ولا شيء يزحزحه عن موقفه هذا سوى تهمة ارتكابه الخيانة العظمى. فلا اكثرية الثلثين متوافرة لاختصار ولايته، ولا هي متوافرة لانتخاب رئيس جديد مع العلم انه حتى في حال توافرها، لا يمكن دعوة مجلس النواب الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية فيما الرئيس لحود لا يزال في منصبه.

اما اللجوء الى الشارع فله محاذيره لان الشارع يقابله شارع آخر، كما ان الاضراب العام قد يقتصر على مدن وبلدات ولا يشمل اخرى. لذا يبقى السؤال المطروح قبل الدخول في خلاف حول المرشحين للرئاسة الاولى هو: كيف السبيل الى حمل الرئيس لحود على الاستقالة؟

ثمة من يقترح استقالة الحكومة الحالية بغية احداث ازمة حكم مع تعذر تشكيل حكومة جديدة، فيضطر الرئيس لحود الى الاستقالة من اجل اخراج البلاد من الازمة التي تلحق ضرراً كبيراً بالاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية الهشة، خصوصاً اذا ما طالت. لكن ثمة من يعتقد بأن الرئيس لحود لن يستقيل مهما طالت ازمة الحكم ومهما ألحقت من اضرار بالاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، لا بل انه قد يحمل مسؤولية حصول هذه الازمة وعواقبها امام الرأي العام لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة وللأكثرية النيابية.

وثمة من يقول ان التوصل الى اتفاق مع مرشح للرئاسة الاولى خلفاً للرئيس لحود يحظى بموافقة الاكثرية الساحقة من النواب ومن القوى السياسية الاساسية في البلاد لا سيما "حزب الله" وحركة "امل"، يجعل الرئيس لحود مضطراً الى الاستقالة لعدم وجود من يغطي بقاءه، ولكن يبدو حتى الآن انه من الصعب التوصل الى ذلك، الا اذا صدرت التسمية عن "حزب الله" وحركة "امل" و"التيار الوطني الحر" واضطرت اكثرية 14 آذار الى الموافقة عليه للتخلص من الرئيس لحود.

وثمة من يدعو الى انتظار صدور التقرير النهائي لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتس علّ هذا التقرير يضع الرئيس لحود في دائرة الشبهة، فلا يعود عندئذ في استطاعته البقاء في منصبه ولا في استطاعة احد تغطية بقائه.

اوساط سياسية مراقبة ترى ان كل هذه الاقتراحات والافكار لا تؤدي الى حمل الرئيس لحود على الاستقالة، وان الرئيس السوري بشار الاسد هو وحده الذي يستطيع ذلك بكلمة منه... لان من يوفر اسباب بقاء لحود في منصبه هو الرئيس الاسد بواسطة "التحالف الشيعي" الذي يتألف من "حركة امل" ومن "حزب الله" وتأييد "التيار الوطني الحر" وقد ظهر هذا التأييد جلياً بقول الرئيس لحود نفسه انه لن يستقيل الا اذا خلفه العماد ميشال عون لكونه من "مدرسته" وقول العماد عون انه يرفض اقالة لحود اذا لم يتم الاتفاق على ان يكون هو خليفته.

لذلك، ترى هذه الاوساط ان لا خروج من هذه الحلقة المفرغة الا بالتفاهم مع الرئيس الاسد على تنحية الرئيس لحود، فهو وحده القادر على ان يقول له ابق فيبقى وان يقول له اذهب فيذهب...

فمن هي الجهة التي تستطيع ان تتوصل الى تفاهم مع الرئيس الاسد، وما هو الثمن الذي سيطلبه في مقابل تنحية الرئيس لحود؟ انها ليست جهة واحدة بل جهات عربية، وتحديداً مصر والسعودية وجهات دولية هي تحديداً الولايات المتحدة وفرنسا.

يبقى السؤال: ما هو الثمن الذي يطلبه الرئيس الاسد كي يتولى تنحية الرئيس لحود؟ هل الثمن ان يختار هو الرئيس الجديد كي يطمئن الى الحكم في لبنان وتزول هواجس سوريا حول وجود نشاط سياسي ضد النظام فيها، وقيام حملات اعلامية تستهدف مسؤولين فيها، فضلاً عن محاولات لفصل المسار اللبناني عن المسار السوري، اي ان يقوم في لبنان حكم ينسق مع الحكم في سوريا في شتى المجالات كما كان من قبل، ولكن بدون وجود قوات سورية في لبنان؟ هل بجعل نتائج التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري تفصل بين مسؤولية النظام السوري ومسؤولين في ذاك النظام فتقتصر العقوبة في حال ثبتت تهمة تورطهم في ارتكاب الجريمة على هؤلاء المسؤولين بدون تحمل النظام اي مسؤولية؟

وبما ان اللبنانيين يتعذر عليهم الاتفاق على حل لإخراج البلاد من الازمة الرئاسية، فلا بد من مساعدتهم عربياً ودولياً على ذلك كما حصل في لقاءات الطائف وفي قمة الدار البيضاء، حيث تم اتفاق على تأييد رينه معوض لرئاسة الجمهورية، فيصير اتفاق مماثل خلال قمة الخرطوم وبعدها وخلال جلسات الحوار الوطني بين القيادات اللبنانية ويتلاقى هذا الاتفاق مع نتائج المحادثات التي اجراها المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة تيري رود – لارسن في دول عربية والتي يجريها في لبنان حول تطبيق القرار 1559، فتساعد هذه العوامل مجتمعة على الخروج من الازمة الرئاسية او ازمة الحكم، والاتفاق تالياً على صيغة حل لها مقبولة من كل الاطراف الاساسيين.