الاشهر الاخيرة شهدت انخفاضاً في حدة الاتهامات الاميركية لسوريا بأنها تتساهل في شأن الارهابيين المتسللين الى العراق.

والفترة نفسها شهدت تركيزاً اميركياً على الدور السلبي لايران في العراق. جرى التركيز على الجانب العسكري للتدخل الايراني، لكن المعطيات الظاهرة تقول ان المشكلة في مكان آخر.

آخر وفد من الكونغرس الاميركي يزور العراق ابدى نفاد صبر الولايات المتحدة من تأجيل تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لاشهر.

والسفير الاميركي في بغداد اصدر اكثر من تحذير لطريقة ادارة "الائتلاف الشيعي" لاجهزة الامن العراقية وتسامحه مع النشاط الميليشيوي المذهبي.

ورداً على التململ الاميركي من عدم طواعية "الحليف الشيعي" أصر "الائتلاف"على ترشيح ابرهيم الجعفري لرئاسة الحكومة رغم الاعتراض الكردي – السني.

ورغم الدعوات الاميركية الى اخذ مطالب السنّة في الاعتبار اعاد عبد العزيز الحكيم، احد زعماء الائتلاف طرح موضوع الفيديرالية للوسط والجنوب مما استتبع رداً سنياً يهدد بحجب ثروة المياه في الشمال والوسط مقابل انفراد الشيعة بالثروة النفطية في الجنوب.

اذن يبدو وكأن مشكلة الولايات المتحدة في العراق اصبحت شيعية وتقتضي التدخل لدى المرجعية الوحيدة التي تستطيع تليين موقف "الائتلاف"، اي ايران.

يحرص المسؤولون الاميركيون على التأكيد بأن المفاوضات المزمعة بين واشنطن وطهران ستبقى محصورة في العراق، اي انه ليس المعروض مقايضة بين الملف النووي الايراني وتسهيل العملية السياسية في بغداد بما يسهّل مشروع التسليم التدريجي لقوى الامن العراقية المسؤولية المباشرة في البلاد.

لم يصدر عن طهران علناً ما يشير الى الرغبة بالربط بين الملفين لكن كانت الليونة لافتة في استقبال عرض التفاوض.

يدخل جورج المفاوضات "المحدودة" وهو يعلن موقفين: ان الولايات المتحدة ستحاول مع قوى الامن العراقية الوقوف حاجزاً بين المتصارعين في حال تدهورت الاوضاع في العراق الى حرب اهلية مكشوفة. وان الانسحاب النهائي من العراق سيكون من مسؤولية الرؤساء الاميركيين المقبلين، مما يعني ان الاقامة في العراق طويلة.

يدخل الطرفان المفاوضات "المحدودة" وكل منهما يخشى انزلاق الملف الذي يعنيه الى نقطة اللارجوع: الحرب الاهلية في العراق بالنسبة الى بوش، والعقوبات الدولية بالنسبة الى ايران.

لذلك ومع انها "محدودة" قد تكون المحادثات الفرصة لانقاذ الطرفين.

هنا ينبغي عدم التبسيط بالقول، السلاح النووي مقابل العراق. فالملف النووي الايراني يثير مشكلات بالنسبة لاميركا تفوق المشكلات التي تثيرها الورطة العراقية لاميركا نفسها.

كذلك ربما يكون من قبيل التبسيط القول ان ايران تعطي الاولوية لسلاحها النووي في مشروعها الاقليمي الدائم.

ربما يكون العكس صحيحاً، اي ربما تحصل طهران على معظم ما تريد في العراق مقابل ان تتخلى عما يبدو انه اندفاعة ايرانية في اتجاه السلاح النووي.

لا يعني الامر ان واشنطن ستكون بصدد تسليم العراق لايران مقابل تسهيل الاخيرة شؤون اميركا نووياً، وجعل الانسحاب الاميركي من العراق ممكناً، وحافظاً لماء الوجه.

ربما يعني ان واشنطن سترضخ اخيراً للنظرية الايرانية الاصلية، وهي ان العراق شأن اقليمي قبل ان يكون شأناً دولياً، وان الجيران هم الاقدر على "اقتراح" مشروع تسوية للعراقيين، الحصص فيها محفوظة، ومستقرة على قاعدة سلم اهلي مضمون اقليمياً.

مثل هذا الحل للعراق قد يأتي لايران بنفوذ اقليمي يفوق النفوذ المنسوب سعيها اليه بواسطة السلاح النووي، الا اذا صدّقنا ان طهران تنوي فعلاً شطب اسرائيل من الخريطة، وتنوي عملياً تهديد الجيران لأبعد: اوروبا وروسيا و...

وما يدفع في اتجاه ان تكون المحادثات "المحدودة" مقدمة للفعلية الموسعة ان الانهاك يصيب جميع اصحاب الاسهم في الورطة العراقية.