بات مفهوم حقوق الإنسان يتردد في شكل مكثف، وتركز عليه الضوء مع مناداة الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني ومراكز البحوث الاجتماعية به على المستويين المحلي والدولي•

إلا ان هذه الموجة من عولمة حقوق الإنسان، تقابلها مفارقة غريبة تثير الدهشة والجدل في آن، إذ أن مفهوم حقوق الإنسان يختلف معناه من دولة الى أخرى ومن بقعة إلى غيرها. ففي موسكو، مثلا،ً نجد أن مفهوم حقوق الإنسان يتناول الحقوق الاجتماعية والإنسانية للفرد، فيما تعتبره أميركا مثلاً لصيقاً بالحقوق السياسية للإنسان.

لكن الأهم في هذا الأمر هو الإنسان نفسه، ومدى وعيه بحقوقه وما له وما عليه. ويبدو السؤال وجيها في هذا السياق عن مدى فعالية المنتديات والحلقات النقاشية التي تدور في إطار مغلق بين الضيوف المتحدثين عن حقوق الإنسان، فلا يصل الهدف المرجو منها إلى عقل المواطن العادي ووعيه ليستوعب تلك الدعوة ويقدر قيمة الحصول على حقوقه الإنسانية والسياسية في شكل يحقق له آدميته وإنسانيته ويحافظ على كرامته.

لا تصبح لهذه الفعاليات قيمة تذكر، إلا إذا شعرنا بأثرها في بعض المشاكل البسيطة التي تواجه المواطن ويقف أمامها حائراً تائهاً لا حول له ولا قوة، لا يعلم من أين يبدأ والى أين يتوقف، ولا يعرف حدود حقوقه وكيفية الدفاع عنها ليحصل عليها، وكيف يتجاوز حال الرعب أو الفزع التي تستولي عليه في مواجهة أي مشكلة عابرة.

إذاً، فاتساع وعي المواطن وفهمه لماهية حقوقه وواجباته، وكيفية الحصول عليها وامتلاكه الأدوات لتحقيق ذلك، يجب أن يصبح في المرتبة الأولى. ولا بد أن يحصل على هذا الاهتمام المواطن العربي الذي مرت عليه سنوات عصيبة وفترات صعبة يسجلها التاريخ المعاصر بحذافيرها وتفاصيلها بدءاً من الاستعمار في كل أشكاله، إلى الحكام الذين مارسوا صوراً من القهر الإنساني وقتل الإرادة الإنسانية وإهدار آدمية البشر، وانتشار السجون والمعتقلات•.• الخ.

إن مأزق الأنشطة الحقوقية هو تنمية الوعي الإنساني بأهمية وجوده وأهمية مشاركته السياسية والاجتماعية في ظل الأحداث والمتغيرات المحيطة به، وتعلم وسائل الدفاع عن نفسه وعن غيره ليحصل على حقوقه كاملة. تلك هي القضية الأساس، قضية تنمية الوعي الإنساني والإرادة الإنسانية الممثلة في حرية التعبير، وزيادة رقعة الديموقراطية والحرية على مستوى العالم واختفاء قتل روح الإنسان وإرادته، باختفاء السجون والمعتقلات والتعذيب والإرهاب. هذه هي المحاولة التي يجب أن نسعى لتصبح حقيقة يمكن معها حصول الإنسان على حقوقه.