في الذاكرة نستجمع شجاعتنا، وداخل الرموز التي تسكننا نرسم الأشكال النهائية لما نريد؛ ثم تاتي الحياة السياسية على سياق الصورة المطلقة التي تسكننا وكانها الحد النهائي الذي نقف عنده. ورغم ان التجارب السياسية السابقة أعطتنا مؤشرات قوية على التأسيس في مراحل ما بعد الاستقلال أنتج الأحزاب على قياس المجتمعات، لكننا نكرر اليوم نفس التجربة عبر الافتراق النهائي ما بين الصور المطلقة للحياة السياسية التي نحملها، وثقافة المجتمع إجمالا التي تنتمي إلى حالة "كا قبل الحياة السياسية".

فشل الحياة السياسية في الخمسينات هو الذي أنتج فعليا حالة الانقلابات، عندما وضعنا فوق المجتمع وصاية سياسية مشبعة بصور الذاكرة والأحلام الوردية، او بالحلول الجذرية القادرة على صنع المعجزات، فأنتجنا حياة سياسية أعادة تكرار الثقافة الاجتماعية التي نطمح في تبديلها.

ربما كانت الحركة الاجتماعية في خمسينات القرن الماضي قادرة على تجاوز المعطيات الثقافية، فدخلت ضمن التجربة الجريئة في إنتاج الأحزاب، وفي ممارسة النظريات بقوة، لكنها بقيت تعمل على سياق "الحياة السياسية" كشأن لا يمس "العمل العام" ... "المدني" ... أو "المؤسسات" التي ترى أنها الشكل التعاوني لإعادة هيكلة المصالح داخل المجتمع. كانت الأحزاب تحمل برامجها الانتخابية وسط حالة من ضبابية المصالح داخل الشارع السياسي، في وقت كانت "إسرائيل" تقدم صورة أخرى، حيث حزب العمل يقوم على الكيبوتسات، وعلى تكوين المصالح الذي أنشأته حالة من المصالح المتشابكة مع الحياة السياسية.

صورة الحياة السياسية كما تبدو اليوم هي "حلم" التحول الديمقراطي القائم أساسا على مصالح اجتماعية لم تنتج سوى "الشركات العائلية" أو العلاقات "الأبوية" ... بينما تجسدت اشكال السلطة السياسية على سياق كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

عندما نريد الاتجاه نحو الحياة السياسية فنحن لسنا بحاجة فقط إلى مناخ سياسي فقط، بل أيضا إلى مساحة ثقافية جديدة علينا بناؤها بشكل سريع ولكن مع التذكر دائما بأننا اليوم نستطيع رؤية التجارب السابقة بوضوح أكثر وبشكل قادر على تقديم رؤية نقدية لكل الطيف السياسي الذي ظهر على امتداد أكثر من نصف قرن.