د. يحيى العريضي

اتعبتني الممرات الضيقة، ويؤلمني نفسيا وعقليا من يصر على أن يختار لي بين الموت على الطريقة الامريكية أو على الطريقة الايرانية.

هناك من يريد ان يخلط الاوراق والخيارات والاحلام والاوهام. هناك من يرسل لي رسالة الكترونية دائمة الحضور دماغيا تقول لي: "ميت انت كعربي اما باليد الامريكية او باليد الايرانية".

أحد "عباقرة" الصحافة العربية يخيرني بين المشروع الامريكيK الذي يريد "اعادة رسم خارطة المنطقة العربية من الخارج" والمشروع الايراني الذي "يهدف الى تقويض العالم العربي من الداخل". يقول لي ببساطة ان واحدا "يرسم" والآخر "يقوض"، ومعروف انه مهما انحطت قدرات المرء العقلية فسيختار "الرسم" لا "التقويض". من يخيرني يجزم بان "الامريكي" يرسم ومخططه لصالحي وتقدمي ومن اجل ان اكون ديمقراطيا. اما "الفارسي" فيسعى الى تقويض وجودي بكل الطرق الممكنة وغيرها.

يذكرني كعربي هذا الذي يخيرني بين "الفرس" و"الامريكان"، بان الامريكيين لم يؤذوني كعربي على الاطلاق، بينما الفرس هم أول من وقف في وجهي كعربي وكناشر للرسالة المحمدية.

يربك من يريد اقناعي بوداعة امريكا ان امريكا هي التي ساعدت الصهاينة في احتلال فلسطين وأراض عربية اخرى، وهي من يقدم تلك الطائرات والصواريخ، التي تحول اللحم العربي الى رماد والارض العربية الى يباب. ويقول ليست امريكا القوة الوحيدة التي تحتل أراضي عربية بل ايران أيضا تحتل اراضي عربية (يذكرني هنا بجزر الامارات).

يحدثني عن تحالف ايران مع جهات عربية ولا يذكر تحالف امريكا مع جهات عربية ايضا لأنه يدرك تماما ان اي علاقة ايرانية – عربية لن تكون الا في صالح العرب، والدليل على ذلك ان اكثر من يناصب عدو العرب الاول العداء (اسرائيل) هي ايران الفارسية.

ويربكه ان من يدافع عن اسرائيل ويحميها ويناصب اعداءها العداء ليست الا امريكا.

***

الارتباط بين حزب الله وايران يزعج دعاة نبذ ايران وتصويرها كقوة أسوأ من أمريكا، يروج هؤلاء ان العلاقة طائفية بحتة (والارض الشيعية) هي التي تحررت من اسرائيل بينما (الارض السنية) ما تزال تحت الاحتلال الاسرائيلي.

وهنا لا ادري لماذا ما يزال البعض يتساءل من اين تأتي الدعوات الطائفية والاحتمالات الكبيرة للحرب الاهلية في العراق وغيره.

يقع دعاة هذا التوجه بتناقض عجيب عندما تواجههم العلاقة المميزة بين ايران وحركة حماس، والتي يضطر هؤلاء الدعاة الى الاعتراف بسنيتها.

يتحدث هؤلاء الدعاة عن الاموال الطائلة التي تصرفها ايران على الاعلاميين الذين يطبلون ويزمرون للمد الايراني في الوطن العربي، ولا يطرح هؤلاء كلمة واحدة عن ملايين الدولارات التي تشتري بها امريكا ذمم بعض الاعلام العربي، فمقابل العملية الامريكية التكفيرية التي تمارسها الاجهزة الامريكية ضد من يقف في وجه (الديمقراطية الامريكية) هناك ايضا حملة تكفيرية ايرانية في وجه كل من ينتقد ايران.

***

في المحصلة النهائية، يصورنا هؤلاء كعرب مستباحين من قوى امريكية كانت او ايرانية او من كواكب اخرى. ما يعني هؤلاء ليس الاساءة لايران وليس انقاذ العرب من سيطرة تمارس عليهم، ما يعنيهم هو مسالة واحدة وحيدة ألا وهي المرافعة عن امريكا وعما تفعله بالعرب، وذلك عبر القول بان اخرين يؤذون العرب أكثر من امريكا التي تسعى الى مساعدة العرب، بينما الاخرون يجلبون لهم التعصب والتطرف والارهاب." امريكا تحاول مساعدتهم، بينما الآخرون يحاولون تصفية ثارات وحسابات تاريخية معهم".

باختصار، يريدون القول انه ان كانت امريكا سيئة مع العرب فالاخرون، وتحديدا ايران ليست اقل منها سوءا تجاه العرب.

لست مغرما بايران ولكن لا يسعني الا ان احترم مواقف لها أشعرتني بالاعتزاز كعربي، وما انا بكاره للولايات المتحدة، ولكن لا يسعني الا ان احتقر مواقف لها اشعرتني بالاذلال كعربي.

لا اريد ان اكون بالمطلق مع احمدي نجاد الا عندما يكون جاهزا للوقوف حقيقة جوهريا وفعليا مع قضيتي، ولا اريد ان اناصبه العداء او اتخذ موقفا سلبيا تجاهه لمجرد تسميته الامور بمسمياتها وخروجه على الانغام الامرو – الاسرائيلية.

وهناك فرق بين ان اكون مع جورج بوش كما يريد، اي ضد نفسي وقضيتي وحقي، وان أكون مع الارهاب كما صنف السيد بوش عالمنا بعد 11 ايلول، ألم يقل : من ليس معنا فهو مع الارهاب"!

هو لم يقل "ضدنا" بل "مع الارهاب".

لست دكتاتوريا او رجعيا متخلفا انا ان لم اقع بغرام ديمقراطية جورج بوش الدموية. اريد ديمقراطية بلا دم او حرب أهلية.

في قمة العرب القادمة كم نحن بحاجة الى دعوات عربية عربية وموقف عربي يعيد الكرامة عندما تظهر هكذا دعوة، تعني بالطبع عدم الرضوخ لامريكا ومشيئتها، وفي الوقت ذاته لا اريد من الدعوة مناصبته العداء لايران.

أخيرا، من تعود أن يستباح كفرد يتصور ويقبل الاستباحة لاهله ولامته ويرى ان ذلك طبيعيا، ولكن مشكلته تفضيل استباحة على استباحة اخرى.

هناك على اي حال من لا يقبل ولا يرضى الاستباحة لا فردا ولا مجموعة ولا امة، اكانت هذه الاستباحة من امريكا او ايران او غيرهما.

هؤلاء المرافعون عن امريكا يستخدمون كل ما في جعبهم من حذلقات كلامية لتزويق الباطل وتشويه الحق. مشكلة هؤلاء انهم هانوا.. و .. من يهن يسهل الهوان عليه ف..ما لجرج بميت ايلام. رحم الله ابا الطيب المتنبي.