عند كل فيضان كبير, وإزاء كل وابل أمطار غزيرة متواصلة, نستذكر على الدوام, برهبةٍ وَوَجلٍ وخشوع قصة الطوفان التاريخي الشهير, الذي حَدَثَ أيام سيدنا «نوح» عليه السلام, إذ بنتيجته أُغرِقَتْ الأرض بمن عليها, وغار وغاصَ فيها كل شيء بمياه الأمطار الهاطلة, والينابيع المتفجِّرة, والأنهار الفائضة, والشلاَّلات الصاخبة, وتوَّجها جميعاً المدّ البحري العملاق, محوِّلاً «اليابسة» بجبالها وسهولها الى «أكواريوم» كَوْني هائل!!

وقتذاك, شكَّلَتْ سفينة «نوح», الوسيلة الوحيدة للنجاة والخلاص من ذاك الغَضَب الرهيب, حين حَمَلَتْ في داخلها بَشَراً سمعوا نداء «نوح» وتَبِعُوه, وحيوانات متنوِّعة امتَثَلَتْ لدعوته, من مختلف الأصناف والفصائل, من داجنة وَبَرِّية على حد سواء وبأعداد مزدوجة.

وبرغم تناقضها وتنافرها فيما بينها, وبين بني البشر, فإنها استطاعت وبسرعة ­ في سبيل الخلاص ­ أن تقيم «حواراً» مفتوحاً تحت راية الرجاء والأمل بغدٍ أفضل, وهكذا تعانقت الحيوانات «اللاحمة» مع الحيوانات «العاشِبَة», وارتفَعَتْ أسهم فهم وتفهُّم وقبول الآخر, وسَقَطَتْ فوارق القوَّة ومنطق التهديد بين الكائنات المفترسة والوادعة, وبين الضخمة والصغيرة الحجم, وتحادَثَ الذئب بقلبٍ مفتوح ونيات طيبة مع الحمل! وتسامَرَتْ بمحبَّة ولطفٍ ووداد السباع مع الغزلان!

وتصرَّفَ الفيل بأدبٍ وحياء ولياقة مع النملة! كذلك, خَطَفَ الحمار المسامع والأبصار بتصريحاته وأقواله وتحليلاته الاجتماعية والفلسفية والحيوانية! ولم يَغِبْ عن تلك التوليفة التعددِّية الديمقراطية المميَّزة, إلاَّ جنس «الأسماك»! التي كانت, ولأسباب «برمائيَّة» بكامل عددها وعدَّتها وعديدها تسبح في ماء الطوفان محيطةً بجوانب السفينة, كأحسن وأفضل ما تكون المواكبة!!
وبنتيجة «الهَوْل» الذي وَقَع, والامتحان الربَّاني الذي طُرِحَ بكل دلالاته ورموزه وآليِّته, فقد بَرَزَ مطلب واحد فقط, وذلك لضمان تماسك «الركاب» والوصول الى برّ الأمان, وهو, أن يتحوَّل «إرادياً» وعن اقتناع, كل حيوان على متن السفينة بما في ذلك البشر, الى كائن «نباتي»!! وبهذا تساوى الجميع «حيوانات وبشراً وحشرات...» أمام «النظام» القاضي بإلغاء كل أشكال البؤر, والمتاريس والجزر. هذا, الى جانب القضاء نهائياً على «الطَبْع» العدواني, و«التطبُّع» الاستفزازي, عن طريق توفير كامل مستلزمات ضبط الأمور والأمن والهدوء والسكينة للأرانب والحملان, وسائر بني حيوان من المسالمين والمهمَّشين والمستضعفين, وهكذا, «ظَبَطِتْ» الأمور مع «الريّس» نوح!!

واليوم, وأمام «فيضان» العجز المالي, و«طوفان» الدَّين العام, و«غرق» البلاد والعباد بالأعباء الاقتصادية و«فَطَسَان» معدلات النمو, و«رطوبة» و«شَطْشَطَةْ» القطاعات كافة, وأزمة الحكم «الـمُتَشْتَشَة», علَّق أحد الأصدقاء بقوله: لو, تتحوَّل, طاولة الحوار اللبناني ­ اللبناني, الى سفينة «نوحيَّة»! إذ, لعلَّ وعَسَى أن نقتدي بما قام به «بنو حيوان» من وحدة ومنطق وتماسك...! ثم أضاف: عند ذاك, سنستطيع الإبحار في الاتجاه الصحيح, وستجري «سفينتنا» ولأول مرة بما لا تشتهي الرياح!!