حاولت منظمة التحرير إخفاء أو تجاهل مرحلة المفتي الحاج أمين الحسيني، مع أن الرجل، مخطئاً ومصيباً، ناجحاً ومخفقاً، هو الذي أبقى القضية حية. وحاولت المنظمة التقليل من أهمية احمد الشقيري ومرحلته. وأحالت كل ما قبلها إلى النسيان، على الطريقة السوفياتية، أو بالأحرى على الطريقة العربية. لا قبل ولا بعد. ولكن المنظمة عاشت نحو أربعين عاماً هي عز التاريخ الفلسطيني وذروة الاستمرارية والبقاء. وقبلت فتح توزيع السلطات والمهام والنضال. وعاشت إلى جانبها بقية الحركات والجبهات والفصائل.

وبصرف النظر عن المناورات السياسية والإخفاق والنجاح والسقطات، فقد بدأت صناعة التاريخ الفلسطيني حقاً مع منظمة التحرير، ومع فتح بصورة خاصة، وفي قيادة رجل استثنائي في البقائيات والدبلوماسية والقتال، يدعى ياسر عرفات.

انبثقت حماس من استمرارية منظمة التحرير ومن أرحامها. ولأن الحاكم معرض للخطأ فقد استثمرت حماس أخطاء السلطة. وتجاوبت مع مشاعر الجماهير حيال الموقف من إسرائيل. ولم يكن عليها في ذلك أي تبعة أو مسؤولية أو حساب. وعندما حان موعد الامتحان الانتخابي في غياب عرفات وهالته، اقترعت الأكثرية إلى جانب جبهة غير مجربة في الحكم أو في المسؤولية، ولها سمعة النزاهة والبعد عن الفساد الذي غرق فيه بعض رجال السلطة.

رفضت فتح والجبهة الشعبية المشاركة في الحكومة الجديدة لأن حماس لا تعترف بميثاق المنظمة. وهي تكرر الآن، على نحو نسخي، ما فعلته فتح في مرحلتي الحاج أمين وأحمد الشقيري. وكان خطأ الأمس صغيراً لكنه لا يبرر ولا يغتفر. وخطأ اليوم فادح ولا يبرر ولا يغتفر. لا يمكن محو أربعين عاماً ذهبية من تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله وعذاباته وشهدائه.

وإذا كان الناخب الفلسطيني قد اقترع للوعد الجديد وضد الفساد القديم، فإن اقتراعه لم يتضمن التنكر للتاريخ ولعشرات آلاف الشهداء ولأولئك الأحياء الذين كرسوا أعمارهم للعمل في سبيل ترابهم وشعبهم. وفي المقارنة في النضال والبذل والشهادة والعذاب، لا تزال حماس في المرحلة الأولى من كل شيء.

ولا يزال أمامها طريق طويل قبل أن تتساوى مع قدامى القضية، برغم جميع الأخطاء، وبرغم وقاحة الفاسدين.