تحولت الأوضاع السورية اليوم إلى الحدث الرئيسي في تغطية وسائل الإعلام، ونشاط المعارضة السورية ومواقفها هو جزء من هذا الحدث، وإن كان كل طرف إعلامي يغطيها من الزاوية التي يراها مناسبة أكثر من غيرها. وفي إطار هذا الحدث، كوّنت المعارضة السورية "بورصة" خاصة بها تصعد أسهمها وتهبط متأثرة بعوامل سياسية بالدرجة الأولى، وربما "إيديولوجية" وأحيانا أخرى " طائفية

لعل بعض المعارضين السوريين في الداخل والخارج يفضّل ألا يسمع خبرا مريحا قادما من داخل سوريا، لأن هذا الخبر من شأنه أن يؤدي إلى هبوط أسهمهم، كما أنه – وبالمقابل- أي خبر كارثي أو " تعيس" يأتي من الداخل سوف يرفع من قيمة هذه الأسهم. لكن ماذا نعني "بالخبر المريح" و"الخبر التعيس"؟

يلاحظ أن عددا من أطياف المعارضة السورية يكره أن يسمع مثلا أن قرارا صدر بتحسين الرواتب والأجور لطبقة عاملة ما. على سبيل المثال، ومؤخرا، صدرت قرارات رسمية بزيادة رواتب أساتذة الجامعات السورية زيادات وصفت بأنها ممتازة، ويبقى هذا الرأي قائم حتى يفنده أساتذة الجامعات أنفسهم. كما صدرت قرارات بتحسين رواتب المتقاعدين وهذه شريحة مهمة أيضا من المجتمع السوري. هذه الخطوات يتم تجاهلها تماما من قبل الكثيرين من أطراف المعارضة السورية، والذين يبحثون عن موت هرة في سورية لتبدأ قريحتهم بخطاب سياسي مطول شبيه بالمعلقات التي تبدأ بالحديث عن " الديكتاتورية " ولا تنتهي....

ألا يطرح هؤلاء المعارضون السوريون السؤال التالي: ماذا لو أعقب هذه القرارات تطورات أخرى شملت الأطباء والمهندسين والمدرسين والمعلمين وطبقة الشباب، وذلك من خلال قرارات مشابهة؟ ألا يعني هذا أن تطورا ما حققه النظام الحاكم على صعيد المجتمع؟!

ويالتزامن مع تلك القرارات، حاولت مواقع الكترونية سورية عديدة تعود لقوى المعارضة السورية تجاهل هذه القرارات، فيما تساءل آخرون عن جدوى هذه القرارات بعد ارتفاع أسعار البنزين والإسمنت، وهو تساؤل يبدو معقولا إلى حد ضئيل جدا، طالما جاءت هذه القرارات فهذا تحسن جيد. وأسأل: ماذا كان هذا المعارض سيقدم لأساتذة الجامعات والمتقاعدين لو قالت لهم الحكومة "لا نقدر عن زيادة الأجور لأن البلد تمر بمرحلة تحديات خارجية ونحن نخبئ قرش الخزينة الأبيض لأيام آتية قد تكون سوداء"! لن يقدم شيئا سوى البيانات. هذا ما قصدناه بالخبر المريح الذي يكره أن يسمعه معارضون سوريون كونه يؤدي إلى انخفاض أسهمهم.

وأما الخبر "التعيس" الذي يرفع من أسهم المعارضة السورية وينعش بورصتها، فهو على سبيل المثال اعتقال ناشط أو معارض أو صحفي أو الرقابة على كتاب أو محاسبة موظف بدلا من محاسبة مسؤول. هنا، لا يصدق هذا المعارض أو ذاك أن يسمع خبرا من هذا النوع، حتى يطير فرحا، ويركض موجها خطاباته للغرب وغير الغرب قائلا: "ألم نقل هذا نظام لا أمل منه"!. ثم بعد ذلك يمكن أن يقوم ببعض "أعمال البزنس" الخاصة على دعائم هذا الخبر، فيفتتح "دكانا حقوقيا " للمتاجرة باسم "سجين سياسي" أو "يعقد مؤتمرا" بتمويل أوروبي، وينتهي المؤتمر الذي كلف آلاف الدولارات ببيان من ثلاثة أوراق!

إذا ماتت هرة في إحدى الشوارع السورية، وإذا سقط عجوز عن شجرة زيتون، وإذا اعتقل كاتب أو صحفي لساعة واحدة، وإذا استمر قانون الطوارئ وإذا توقف هامش الحريات عن الاتساع... كلها أخبار من شأنها أن تفرح بعض المعارضين السوريين وتعطيهم قوة ودفعا للاتصال بالمنظمات الحقوقية والنشاط وإصدار البيانات وعقد المؤتمرات وبالتالي انتعاش بورصتهم!

وبناء عليه، لا يعطي الرد، عبر تصريح أو تقرير إعلامي رسمي على مؤتمر تعقده أطراف سورية معارضة في الخارج، لا يعطي بالضرورة النتيجة المنطقية أو التي قد تحوز على رضا الناس في الشارع. إن الرد على كل مؤتمر ترى السلطة أنه "معاد ويهدف لزعزعة استقرار سورية"، لا يمكن أن يلقى صدى – كما أزعم- من خلال بيان أو تصريح صحفي هجومي على هذا المؤتمر. وأزعم أن اتخاذ قرار إصلاحي كرد فعل على مؤتمر من هذا النوع هو الحل الناجع. وما أكثر القرارات الإصلاحية التي يمكن اتخاذها. على سبيل المثال، حتى لو أحيل مسؤول معروف بفساده إلى محاكمة وأعيد الاعتبار لسجناء سياسيين سابقين وصدر قرار بإيقاف حبس الصحفيين بسبب النشر.. كلها قرارات يمكن أن تكون خير رد على أي مؤتمر. وذلك لأنه عندما تلغى عقوبة حبس الصحفيين ويطلق سراح السجناء السياسيين وتسير الخطوات الإصلاحية لتشمل السوريين في الداخل والخارج، سيجد المعارضون المؤتمرون صعوبة كبيرة في البحث عن تهمة جديدة للنظام الحاكم.