يكرر جورج بوش أن لا حرب أهلية في العراق. هناك فقط ما يزيد على مائة قتيل كل يوم. وهناك مساجد تفجر أو مساجد تحرق. وهناك خطب قاتلة وخطب فتاكة. وهناك حكومة متهمة بإنشاء فرق سرية للقتل. لكن، وفقا لصاحب الحرب، لا حرب أهلية في العراق. لماذا يقول الرئيس الأميركي ذلك، وهو يتطلع في عيون العالم أجمع؟ لسبب واحد وغير بسيط: لأنه إذا أقر بأن الحرب الأهلية قائمة في العراق، فسوف يقوم الأميركيون جميعا عليه، ويطالبونه بإعادة القوات فورا إلى البلاد. إنها مسألة ألفاظ قانونية لا أكثر، فيما يهوي العراق إلى التفكك الوضعي، وفيما يعلن بوش، بصورة غير مباشرة، فشل الحرب التي بدأها قبل ثلاث سنوات، برغم كل النصائح بالعكس.

يتحول جورج بوش الآن إلى طلب المساعدة من إيران في العثور على حل، أو شيء من حل في العراق. ويحرص على القول إن الأحاديث الجارية مع طهران، هي «محادثات» لا «مفاوضات». وذلك استطراد للوهن اللفظي الذي يراد به تغطية المأزق الذي لا غطاء يسعه. فواشنطن تهدد إيران وقوتها النووية في الصباح، وترفع نداء المساعدة في المساء. وكما نجحت أميركا في الماضي بتقوية خصومها، تنجح الآن، وخطوة خطوة، في توطيد القوة الإيرانية الآخذة في التمدد والتمركز عبر العالم العربي. ويرسم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مقابلة مع «الموند»، خريطة القوة الإيرانية حاليا، كالتالي: «النفوذ الإيراني في بعض قطاعات المجتمع العراقي، العلاقات الصلبة مع سورية وحماس، العلاقات الوثيقة جدا مع حزب الله، الورقة النفطية، وأخيرا المسألة النووية».

هل يمكن لإيران أن «تساعد» بوش في العراق، من دون ثمن مقابل؟ لا. ليست في وضع المضطر وإنما هو في مثل هذا الوضع. والسياسة مقايضة ومقايضة فجة في أغلب الأوقات. وليس مستبعدا على الإطلاق أن تطلب إيران السكوت عن مشروعها النووي لقاء المساهمة في مسار يساعد الأميركيين على الخروج من المأزق في مهلة معقولة.

وإذ تتجه واشنطن، «الشيطان الأكبر» في نفق سري نحو طهران، التي تقارعها منذ 1978، يتساءل حلفاؤها إلى أين يمضي الوضع في المنطقة؟ وتتطلع حليفتها الأولى والأقدم، تركيا، عبر العراق إلى إيران، شمالا وجنوبا، وتتساءل، ما هو موقع الحلفاء حقا عند الأميركيين؟ ولماذا تكتشف حليفة مثل تركيا، فجأة، أن أميركا لم تضعها فقط في مهب الأكراد، وإنما في مهب رياح الخسائر في كل الجهات.