العرب اون لاين

لا يعوّل الشارع العربى كثيراً على القمة التى تبدأ أعمالها فى الخرطوم يوم الثلاثاء القادم. فقد تعلّم العرب، بالتجربة، أنّ القرارات التى يتخذها القادة المشاركون غير ملزمة، ولا تعدو أن تكون نوعاً من المجاملات الدبلوماسية.

التحديات التى يواجهها العالم العربى أكثر صعوبة وتعقيداً من أيّة صعاب واجهها فى الماضي، وهذا يضع عبئاً إضافياً على قمة الخرطوم، ويزيد من النزعة التشاؤمية عند المراقبين، فالمشكلات لا حصر لها، وكلها بحاجة إلى أن تناقش على مستوى القمة .

ولعل الوضع فى العراق هو أكبر تلك التحديات التى تبعث على القلق لدى الحكومات العربية، خاصة بعد أن باتت تهدّد باندلاع حرب أهلية طائفية قد تؤدى بالبلاد إلى التقسيم. وتخشى دول الجوار أن تنتقل عدوى هذه الحرب إلى بيتهم الداخلي.

كما ويرقب العرب دون حول ولا قوة المواجهة الدائرة بين طهران وواشنطن بشأن الملف النووى الايراني. فهم من جهة يخشون إمتلاك ايران للقنبلة النووية، ومن جهة أخرى يقلقهم أيّ تدخل عسكرى أميركى جديد محتمل فى المنطقة، لما قد يترتب عليه من ردود أفعال قد يفشلون فى نهاية المطاف احتواء مخاطرها والسيطرة عليها.

ولا تنفصل المشكلتان العراقية والايرانية عن المشكلة الفلسطينية التى باتت مصدر كل القلاقل فى الشرق الأوسط، خاصة بعد فوز حماس فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، لتجد الحكومات العربية نفسها فى مأزق، فالإدارة الأميركية تمارس ضغوطاً هائلة عليها لحملها حتى تنأى بنفسها عن القيادة الفلسطينية الجديدة، ما لم تعترف حماس بإسرائيل وتتخلى عن المقاومة المسلحة.

وكانت حماس تأمل فى المشاركة فى القمة للحصول على الشرعية العربية، غير أنه لا عباس ولا حركة فتح ولا الحكومات العربية كانت ترغب فى مشاركتها. فمشروع القرار المطروح على القادة العرب فى قمتهم يدعو إلى اعتماد مبادرة السلام العربية التى تنص على انسحاب اسرائيل من كامل الأراضى المحتلة عام 1967 مقابل تطبيع للعلاقات بين اسرائيل وبين أعضاء الجامعة العربية، وهو الأمر الذى ترفضه حماس حتى اليوم فى العلن.

إضافة إلى هذه التحديات الكبيرة التى يواجهها المشاركون فى القمة، هناك صعوبات أخرى عديدة مثل الوضع فى دارفور والضغوط الأميركية على سوريا. ولكن، يبقى الخلل الكبير الذى تشهده العلاقات العربية ويشهده العمل العربى المشترك هو أمّ المشاكل وأصلها. فهناك ميل متزايد نحو القطرية، وهناك أيضاً لا مبالاة عربية فى التعامل الجاد مع التهديدات والاستفزازات التى لا تستثنى أحداً من العرب، وإن بدت موجّهة نحو البعض منهم دون الآخر. ويجرى العمل على تمييع القضايا الأساسية وتأجيل اتخاذ قرارات حاسمة بذريعة العقلانية والحرص على المصالح العربية. إلاّ أن الشارع العربى يدرك جيداً أنّ هذه الذرائع، التى تبدو فى الظاهر عقلانية، تخفى ضعفاً وتردداً لا يوجد مسوغاً له، فالتهديدات التى يواجهها العالم العربى لا تقبل التروى والانتظار.

لا نتوقع من القادة العرب أن يدعوا فى قمتهم إلى حمل السلاح، كما لا نتوقع أن يعلنوا العداء لأميركا أو مقاطعتها اقتصادياً. ولكن، ما نتوقعه، ويتوقعه معنا الشارع العربي، هو أن يتخذ القادة المجتمعون قرارات ايجابية تساهم فى إنهاء حالة التشرذم والانعزال التى سادت المشهد السياسى العربي.

إذا استطاع العرب أن يبرّروا عجزهم عن تقديم حلول فورية وجذرية للتحديات الكبرى التى تواجههم، فهم لن يستطيعوا أن يبرّروا النزعات الانعزالية أو يسوّغوا عجزهم عن خلق تقارب وتعاون بين دولهم.

لنجعل من قمة الخرطوم القادمة فرصة للبدء فى العمل العربى المشترك الذى من شأنه وحده أن يعيد الأراضى المحتلة وينقذ العراق من مصيره القاتم ويضع حداً للأطماع الايرانية. فعالم اليوم لا مكان فيه للضعفاء، إنه عالم للأقوياء فقط.

ليس هذا وقت النزعات والميول القطرية الضيّقة، ففى عالم تسوده العولمة لا يمكن لدولة واحدة أن تغرّد خارج السرب .