الدساتير العربية ـ كافة ـ تنص على كفالة الحقوق والحريات العامة، وتتظاهر معظم الدول العربية باحترامها لحقوق الإنسان، لكن الممارسات الفعلية في العديد من الدول العربية تشهد انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان.

مازالت حريات التعبير مخنوقة، مسموح لك ان تنتقد الآخر الغربي والأميركي كيفما شئت ولك ان تنتقد زعماء الغرب الى حد الشتيمة والويل لك ان تعرضت لقائد عربي مهما أجرم في حق شعبه، ولا بأس بأن تصب لعناتك على رجال الدين في الغرب ولكن إياك إياك ان تتعرض للقيادات الدينية عندنا حتى في رأي سياسي يحتمل الخلاف فإن القيامة تقوم ولن تجد شفيعاً.

وأما تشريعات الصحافة فنحن نحتل المراتب الأخيرة في الحريات الصحافية في العالم، كما في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي الرابع. فالمصادرة سيف مسلط على الصحافة، والرقابة بالمرصاد، واذا سمح الرقيب السياسي فلست بمنجاة من الرقيب الديني فإذا تجاوزتهما فقد لا تنجو مقالتك من رقابة الصحيفة.

وأما حريات التجمع والأحزاب والتظاهر فغير متاحة في العديد من الدول العربية إلا اذا كانت مسيرات مفبركة من قبل السلطة ضد الآخر الغربي والأميركي لأهداف سياسية معنية.

وأما حرية تداول السلطة فمؤجلة إلى يوم يبعثون إلا في ظلال وجود الأجنبي الضامن لانتخابات نزيهة كما في فلسطين والعراق. وأما حرية المعتقد والعبادة فالدساتير العربية تنص عليها ولكن إقامة دار للعبادة لاتباع الديانات الأخرى دونها الأهوال والإجراءات المعقدة التي تتطلب تدخل رئيس الدولة.

وأما مصادرة الكتب فمستمرة سنوياً من خلال معارض الكتب، وآلاف الكتب تصادر من قبل الرقابة الدينية أو السياسية لمجرد تقرير يعده عالم دين فيما يسمى «فقه المصادرة».

وأما التجاوزات الخطرة لحقوق الإنسان «البدون» و«المتزوجات من غير المواطنين» والعمالة الآسيوية وخصوصاً المنزلية، فحدث ولا حرج، وأما «المواطنة» المنقوصة للمرأة في التشريعات والإجراءات وبخاصة قوانين الجنسية والأحوال الشخصية وكذلك العمل، فثقب أسود كبير تدور حوله كل التشريعات التي تقر التمييز ضد المرأة.

ولكن لندع سجل حقوق المواطن المعطلة، جانباً، ولنتجاوزه الى ما هو أعظم وأخطر، الى الانتهاك الأعظم لكرامة الإنسان بوصفه إنساناً قبل ان يكون مواطنا، الى مؤسسات «التعذيب» العربية. وإلى «الثقافة» العربية التي تبرر هذا التعذيب، الى الانتهاكات الحاصلة منذ نصف قرن والمستمرة في «السجون العربية».

المنابر والفضائيات والأقلام العربية سلطت الأضواء على الانتهاكات في «أبو غريب» و«غوانتانامو»، حسناً.. ماذا عن التعذيب الممارس في السجون العربية منذ سجون العهد الناصري الذي خنق الحريات واعتدى على الكرامات بدعوى حماية الشعب والوطن.

لقد نشرت «الوطن» السعودية في 11/3/2006 تقريراً لعام 2005 حول أوضاع السجون والسجناء في 9 دول عربية، أصدرته المنظمة العربية للإصلاح الجنائي.

ويشير التقرير الى ان العالم العربي قد أصبح «بيت خبرة» في وسائل التعذيب وقد رصد التقرير الأجواء اللإانسانية في عدد من السجون العربية واعتبرها من أهم مولدات العنف الذي يعيشه العالم العربي ـ محمد صادق دياب، الشرق الأوسط 13/3.

نعم الجماهير تنطلق في تأييد الزعماء وكذلك الأحزاب العربية والنقابات ولا النقابات ولكن لا الجماهير ولا الأحزاب على استعداد لتنظيم مسيرة ضد القمع والقتل والتعذيب في سجون الأنظمة العربية وبخاصة «الثورية» و«التقدمية»، هذه النقابات وتلك الأحزاب جميعاً، ما هم إلا ثمرات وإفرازات لنظم تسلطية لا يستطيعون تجاوزها.

وهؤلاء المشايخ الذين اجتمعوا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم في البحرين، ليتهم ـ أيضاً ـ يجتمعون من أجل نصرة حقوق الإنسان العربي، من أجل حقوق المتهم التي تنتهك يومياً، من أجل فقه يحترم النقد والرأي الآخر ولا يخون أو يكفر، من أجل تشريعات تحظر التعذيب.

وتجعله من الكبائر العظمى، من أجل المرأة المعذبة بين أروقة المحاكم سنين للحصول على حق شرعي أو قانوني، من أجل مراجعة التشريعات اللاإنسانية كلها والمخالفة للشريعة نفسها، ذلك ما يجعل العالم يحترمنا ويسهم في إيجابية رصيدنا في سجل حقوق الإنسان.

قررت «قطر» تقديم تقريرها الأول «للأمم المتحدة» حول التشريعات القطرية والإجراءات المتخذة في سياق مناهضة التعذيب، وتعد أول مبادرة عربية في هذا الشأن، وهي خطة تشرفنا عالمياً ليت الدول العربية الأخرى تحذو حذوها!!

وفي خطوة غير مسبوقة ـ عربياً ـ قررت «المغرب» دفع تعويضات 150 مليون دولار لـ 10 آلاف أسرة، كتعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، ليت بقية الأنظمة تقتدي بها!!

ويجب ان نحيي التقرير الذي أصدره «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في مصر، لرصده حالات التعذيب العديدة خلال الاحتجاز والاستجواب في أقسام الشرطة والمباحث والتي أدت الى موت البعض، غير آلاف المحتجزين من الجماعات الإسلامية منذ التسعينات الذين أمضوا فترة العقوبة ولم يفرج عنهم.

ليت إعلامنا ومنابرنا وأقلامنا تسلط الأضواء على تلك الانتهاكات في الأرض العربية بدلاً من الاستئساد على الأميركيين في «أبو غريب» و«غوانتانامو» مع وجود الفارق.

الأميركيون على الأقل هم الذين كشفوا واعترفوا ثم حاكموا وعاقبوا، ونحن لا نكشف ولا نعترف ولا نعاقب، وثانياً: الأميركيون لم يعذبوا مواطنيهم بل عذبوا من اعتقدوا أنهم أعداءهم من الإرهابيين، ونحن نعذب مواطنينا وبني جنسنا وديننا فشتان بين عملنا وعملهم.