محمــــد ح. الحــــاج

لا أعتقد أن أياً من الأنظمة العربية يتمنى أن تصبح إيران – الجارة المسلمة في عداد الدول النووية ، وإذ يشكل السلاح النووي تفوقاً نوعياً في العالم الحديث ، ويفتقر العرب إلى هذا السلاح، فإن أحداً منهم – على الأقل في المدى المنظور – لا يطمح إلى امتلاكه ، فيما لو تجاوزنا محاولة العراق التي تصدى لها العدو الصهيوني ودمر المنشآت التي كانت قائمة في مفاعل تموز ، وهنا يمكن القول بأن خوف البعض من وصول الدولة الإيرانية إلى هذا المستوى أمر مشروع – إلى حد ما ، وهي ستصله بطبيعة الحال ، ولا أقصد إنتاج القنبلة النووية، ولكن الوصول إلى المرحلة العلمية المتقدمة في الأبحاث والتي تؤدي بشكل آلي إلى الإنتاج إذا ما توفرت الإرادة، والقرار السياسي ، ويمكن القول أن القنبلة النووية الإيرانية – المستقبلية ستشكل نوعاً من تحدٍ آخر تواجهه المجموعة العربية ، ويبقى أنه خطر في عالم الغيب – أي محتمل .
في الواقع الراهن، هناك خطر قائم، ومنذ سنوات ، هو الخطر الصهيوني ، حيث يمتلك الكيان العدو على أرض فلسطين مئات القنابل النووية ، وهذه شكلت بدورها – مجرد التلويح بها – رادعاً استراتيجياً لكل دول الجوار في حروبها مع هذا العدو، أو في الرد على اعتداءاته، بحيث كانت خطط الحروب تتحاشى العمق وتهديد الكيان بشكل جدي، وهذا ليس بجديد فقد أعلن المرحوم السادات أن خطته كانت لتحريك الموقف ، وليس للتحرير الكامل ، وتبين فيما بعد أن ذلك جاء بناء على نصيحة " العزيز هنري " ، ونقل أكثر من طرف عن غولدا مائير انهيارها وقولها : " قد أعطي الأوامر باستخدام القنبلة النووية ..!". ومع ذلك فإن أحداً في عالم الغرب المتأنسن لم يجرؤ على مناقشة الموضوع ، أو مجرد اقتراح المداولة حوله في الأوساط الدولية المختصة، أو مطالبة أي من حكومات العدو بضرورة التوقيع على اتفاقية عدم الانتشار، أو وضع المنشآت تحت رقابة المنظمة الدولية ، ومع أن إيران فعلت ذلك ، حيث وقعت اتفاقية حظر الانتشار، ووضعت منشآتها تحت الرقابة الدولية، وهي تقوم بكل أنشطتها بشكل مكشوف ، مع ذلك يبقى الشك هو حكم الساحة، وهي حقيقة لا يمكن نكرانها فإن متابعة الأنشطة والأبحاث والتخصيب تفسح في المجال للطاقم الفني الإيراني بأن يمتلك القدرة على تصنيع القنبلة في المستقبل وكما قلنا عندما يتوفر القرار السياسي والحاجة إلى امتلاك هذا السلاح .
تمارس القوى الكبرى نظرية ازدواج المعايير، فهناك أبناء الست، وأبناء الجارية – وإذا كان امتلاك إيران لعدد من القنابل النووية لا يشكل بحال من الأحوال خطراً على أي من دول أوروبا النووية، ناهيك عن القوتين العظميين نووياً – أمريكا وروسيا ، وربما تجاوزنا القوة الصينية ومثيلاتها ، إلا أن مثل هذا الامتلاك يؤرق مخططي السياسة الصهيونية ، سواء في تل أبيب، أو في واشنطن ، ويدفع بهم إلى الرعب لمجرد التفكير بأن دولة تناصب الصهيونية العداء ولا تعترف بحق قيام مثل هذا الكيان على قاعدة الخرافة ، قد تعمل للوصول إلى هذا السلاح، وربما تستخدمه – وهذا يشكل شبه قناعة تامة لدى الجميع ، هذا الأمر يدفع بهم إلى العمل وعلى كل المستويات، وبشتى الطرق لوقف تقدم هكذا مشروع حتى ولو تأكد الجميع أنه ذو توجه سلمي وفي حقل الطاقة والعلوم فقط ، ويبقى السؤال : هل يفكرون بنفس الطريقة التي يفكر بها البعض في عالمنا العربي ..؟ - بالتأكيد ..لا ، فهم يقيمون الروابط بين الأقوال والسلوكيات وحتى النوايا، وربما يعتقدون جازمين بأن امتلاك القوة الإيرانية لسلاح الدمار الشامل قد يفسح في المجال لتسربه إلى أيدي جيوش حليفة ومعادية للكيان وهو الأمر غير المسموح مجرد احتماله .
في الكثير من الحوارات التي تدور عبر برامج الفضائيات، ويشارك فيها عدد كبير من المحللين والمتابعين، والاستراتيجيين ، تطرح مسألة الخطر الذي قد تشكله إيران على المنطقة فيما لو امتلكت القنبلة النووية ، وهل من الطبيعي أن تشعر دول الجوار بالخوف، وهل هو مبرر ..؟ الجواب الأقرب إلى المنطق هو : هل يجب الخوف من خطر محتمل غير قائم حتى اللحظة ، أم الخوف من خطر ماثل منذ زمن بعيد وهو حقيقة كشفها علماء صهاينة..؟ وتتسرب اليوم أنباء عن تواطؤ بريطاني ، وربما فرنسي أيضاً وهولندي وأمريكي لمساعدة العدو الصهيوني على إنجاز ما وصل إليه وبسرية تامة .. بريطانيا قدمت البلوتونيوم، وفرنسا أنشأت المفاعلات وتجهيزاتها، وهولندا وفرت الماء الثقيل ، وأكملت أمريكا ما تبقى من مستلزمات الأبحاث والرجال وكل ما لا نعلم عنه شيء . كيف يجب استغلال اللحظة .. الموقف ، لتبني قرار يحظى بإجماع عربي يطالب العالم بموقف مقبول من دول المنطقة وبما يخدم قضية تجريد العدو من سلاحه النووي وإخلاء المنطقة فعلاً، قبل التبرع بأي موقف يطالب إيران بالالتزام بما وقعت عليه وإبعاد المنطقة عن سباق تسلح جديد يقضي على كل خطط التنمية وتطوير شعوب المنطقة .
القمة العربية القريبة ، يجب أن تدرج في مقدمة جدول أعمالها المخاطر الاستراتيجية التي تستهدف الأمن العربي، وخطر السلاح النووي الصهيوني هو الأكثر خطورة، وعليه فإن موقفاً موحداً لا بد يشكل نقطة البداية لإيجاد موقف دولي يأخذ بعين الاعتبار عدم استمرار الصمت والسكوت على واقع خطر قائم والقفز باتجاه محاربة خطر محتمل غير أكيد وقد عايشنا تجربة الكذبة الكبرى في شأن السلاح العراقي ومن شأن ذلك أن يشكل قناعة تامة لدى الجميع بعدم مصداقية الطرح الغربي ، واقتصاره على حماية الكيان الصهيوني بغض النظر عن تهديد الأمن والسلام لكل دول المنطقة ، البعيد منها والقريب .
لم يحسن العرب استثمار الظروف التي مرت بها المنطقة ، لا في حالات المد، ولا الجزر، وكان حرياً بهم اتخاذ موقف موحد بعد العدوان الصهيوني على المفاعل العراقي بحيث يتم اتخاذ ذلك منطلقاً للبحث في واقع التسلح الصهيوني ووضع المفاعلات تحت الرقابة الدولية وتفتيشها ، وعدم توقيع الاتفاقيات الدولية قبل أن يقوم بتوقيعها العدو وأن تتم المعاملة بالمثل في حال انسحابه من الاتفاقيات سواء كانت في الشأن النووي أو البيولوجي أو الكيميائي ، وليس للأمم المتحدة أن تلزم طرفاً دون الآخر طبقاً للقانون الدولي .
لقد تهاون العرب، بل صمتوا طويلاً على انتهاك حقوقهم ، وعدم أخذ العالم أمنهم بعين الاعتبار، ومرد ذلك سببه المواقف المتباينة فيما بينهم ، وتفرق كلمتهم حتى في الشئون التي تمس أمن الجميع، وربما اعتقاد البعض بأن علاقاته مع طرف ما قد تعفيه من مسئولية الدفاع عن أمنه الكلي المرتبط بأمن شعوب المنطقة ودولها بشكل حتمي، مع ذلك فالأوان لم يفت، وهي فرصة مناسبة لإثارة الموضوع في كل المحافل الدولية ، ومقابل الضغوط الدولية على إيران ، يجب أن تقوم منظومة ضغوط عربية مقابلة ، ليس لدعم إيران وإنما باتجاه الحصول على موقف دولي متوازن يأخذ بالاعتبار المنطق ، ومقتضيات الأمن والسلام في المنطقة وبما يوفر للجميع فرصة التخلص من رعب ساعة يتراشق بها الأطراف بقنابلهم التي ستحصد الحياة بكل أشكالها، وإذا كان عذر الغرب أن في دولهم قادة ( عقلاء – حكماء ) ، وأن غيرهم غير ذلك فليسمحوا لنا بالقول أن أكثر الدول ادعاء للتعقل والدفاع عن الإنسانية والبشرية، هي أول الدول التي اتخذ قادتها القرار الخطأ بمحو مدينتين عن وجه الأرض خلال لحظات وقتل مئات آلاف الأبرياء .. وهنا يكون الأكثر ادعاء للحكمة والعقل والإنسانية، هو الأكثر جنوناً ووحشية، ونرفض الوقوع في التجربة ثانية .

للتذكير فقط : إن أي هجوم أمريكي أو صهيوني على المنشآت الإيرانية سيترك آثاراً مدمرة على كل دول الجوار في الخليج ، والسعودية، والعراق وتركيا وأفغانستان ، بسبب انتشار المواد النووية الموجودة، والتي لم تكن فعلاً في المفاعل العراقي ، كما أن الرد الإيراني والذي هو بدوره أمر واقع سوف يستهدف قبل كل شيء المنشآت الصهيونية على أرض فلسطين وستخلف نفس الآثار على كل من لبنان والشام والأردن وشرق مصر وشمال السعودية ، وسيأتي رد الفعل الصهيوني جنونياً باستخدام أسلحته النووية ضد إيران انطلاقا من عقلية لا تقبل بأي رد على عدوانها لأسباب خارجة عن العقل ، وبعدها يدرك العالم كم سيكون هذا السيناريو مكلف ، وإذا ما فكر الجميع من هذا المنطلق، يمكنهم إدراك واجباتهم لوقفه قبل أن يبدأ .