نجيب نصير

إذا كانت الشفافية هي عكس الفساد، فما الذي يمنع الدول التي أخذت المراتب الأولى في التصنيف حسب الفساد من اعتماد الشفافية كأحد الحلول التي تودي بالاقتصاد القومي والترابط الاجتماعي إلى المهالك ؟

سؤال لا بد منه ما دامت الشفافية ليست تلك المادة المكلفة ولا الدواء العويص الذي قد يؤدي بسبب سوء استعماله إلى مهالك اكبر من التي يسببها الفساد، خصوصا ان هذه الدول تستطيع وبجرة قلم ان تقونن وتشرع ما شاءت من النظم والقوانين بل وحتى القرارات التي تنظم الغذاء والدواء، ما هذه الشفافية المرعبة حتى تحجم جل حكومات العالم الثالث على اتخاذا كخطوة معاكسة للفساد المدمر ؟
أكثر ما يثير الحنق هي تلك العبارة التي تعلمنا ان الفساد منتشر في أربع أصقاع المعمورة ،ولا بل يضيفون انه حتى في السويد يوجد فساد ... يا عمي آمنا وصدقنا ولكن في السويد وغيرها هنا آليات جمة لمكافحة الفساد هذا بالا إضافة وهو الأهم ان المواطن مسؤول ( وليس مادخلو) بحيث يحق لأي كان ان يتحقق ويطلب ( وليس يطالب ) بمحاسبة الفاسد، فإذا أضفنا الخجل والعار الاجتماعي الذي يلحق بالفاسد، نكون قد حصلنا على منظومة متكاملة ومجانية لمكافحة الفساد وعندها لا يحق لأحد ان يبرر الفساد نظرا لوجوده في السويد أو في كل أرجاء المعمورة، وذا كانت السويد مثالا فنحن نقبل هذا وليكن فاسدونا مثل الفاسدون السويديون أي وعلى الأقل لقمتهم صغيرة ومعدتهم محدودة ويؤمنون ان ما يقومون به جريمة, أي إذا انكشفوا لا يبررون فعل الفساد أو يسبغون عليه الشرعية تحت شعار كلهم فاسدون.

يبدو ان الفساد هو العقدة الحقيقية وراء فشل كل المشاريع الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية، فالشارع العراقي اليوم مثلا هو مثل الشارع الصومالي سابقا فالقوة النافذة حاليا لا و لن تستطيع ان تترجم ذاتها إلا عنفيا ودمويا فالاستثمار الفسادوي هو استثمار أخلاقي بالدرجة الأولى لن يتوقف عند الحصول على الأرباح المادية بل سوف ينطلق باتجاه تحقيق السيطرة في كل مجالات الحياة حتى لو تكفل ذلك بالتضحية بدماء الآخرين كما تكفل الفساد المادي بالتضحية بلقمتهم وأخلاقهم وأمانهم، لقد أنتج الفساد الحرب الأهلية اللبنانية وتناسل عن أمراء حرب لما تزل أصابعهم مصابة بالحكاك للعودة إلى زمن الزناد والدماء المتفجرة.

ربما تبدو الشفافية اقل تكلفة بكثير من الفساد، وربما وعدت بمستقبل اجتماعي أفضل.. ربما .ربما وللعاقل ان يختار فما المانع.