هل يحدّد الروس وجهة إسرائيل؟........السفير

برغم كثرة الأحزاب الإسرائيلية، فإن الناخب يتوجه اليوم إلى صناديق الاقتراع ليس فقط من أجل اختيار الحزب الذي سيمثله وإنما من أجل الاختيار بين نظامه القديم ونظامه الجديد. فقد انقسمت الحلبة الإسرائيلية تاريخيا بين معسكري اليمين واليسار فيما ادت أحيانا بعض أحزاب الوسط دور بيضة القبان. ولكن هذه هي الانتخابات الأولى التي يتبلور فيها حزب وسط كحزب قائد حتى قبل اختباره في صناديق الاقتراع.
ولكن ليس هذا فقط ما يميز الانتخابات الإسرائيلية الراهنة. فهناك إلى جانب ذلك الحديث الواضح للمرة الأولى عن رسم حدود إسرائيل من طرف واحد وبشكل نهائي وتسويق ذلك وكأنه الحل المنتظر. ووصف الروائي دافيد غروسمان الخطة القائمة على هذا الأساس والتي غدت البرنامج السياسي لحزب الوسط الجديد, كديما، بأنها <<خدعة وخطة جبانة>>.
ومع ذلك فإن الانتخابات الحالية تشهد قدرا كبيرا من الصراع داخل
كل معسكر من المعسكرات المعروفة، بخلاف تجارب الماضي التي شكل فيها حزبا العمل والليكود مراكز جذب رئيسية. وتكفي نظرة واحدة على أحزاب اليمين للتعرف على حجم الخلافات داخل هذا المعسكر بين أطرافه الدينية والقومية. فالليكود يتعرض لحرب ضروس من شاس والاتحاد القومي المفدال في جناحيه الديني والقومي ومن مواقع أشد تطرفا. كما أن الصفة <<الوسطية اليمينية>> التي كانت لليكود طوال تاريخه غابت مع انشقاق ارييل شارون وتشكيل كديما.
وفي المعسكر اليساري، حدث ولا حرج. فالعلاقة الانتخابية بين العمل وميرتس، وخصوصا بعد انتخاب عمير بيرتس صارت بالغة الحرج. إذ يعرض بيرتس نفسه يساريا بشكل لا يقل عن ميرتس في القضايا الاجتماعية والسياسية. كما أن العلاقة بين العمل والأحزاب العربية صارت أشد تناحرية من أي وقت مضى.
ويبقى المعسكر الحريدي المحسوب على اليمين عموما في موقع غير المكترث من الصراعات. غير أن هذا المعسكر الذي يتسم بهدوء ظاهري يعيش في الغالب نوعا خاصا من الصخب الداخلي الذي يجعله بين الأشد تصارعا. ومع ذلك فإن تميز مصالحه الجمعية عن الآخرين يجعل هذا المعسكر أشد تماسكا من سواه.
وفي المقلب الآخر هناك الصوت العربي الذي، وبرغم كل الدعوات لتوحيده، دخل الانتخابات مشرذما بقواه الرئيسية التي بقيت في ثلاث كتل هي الجبهة الديموقراطية للسلام والتجمع الوطني الديموقراطي والقائمة العربية الموحدة للتغيير. وإلى جانب هذه القوى هناك عدد من القوائم الصغيرة التي من شبه المستحيل أن تتجاوز نسبة الحسم لكنها تضعف من التمثيل العربي. ومن شبه المؤكد أنه ليس في الأحزاب الصهيونية ممثلون عرب في مواقع مضمونة سوى في حزب العمل.
ومن الجائز أن الطريقة التي أنهى بها قادة الأحزاب الرئيسة حملتهم الانتخابية أمس، تعبر عن تطلعاتهم. فقد حاول رئيس الحكومة بالوكالة إيهود أولمرت، الذي يقود حزب كديما، الإيحاء أنه يسيطر على الوضع فاختار الظهور إلى جانب مغنية يونانية وفرقتها. أما بيرتس، الذي يريد اثبات أن الاقتراب من الناس قد يجعله مفاجأة الانتخابات، فاختار الظهور وهو يوزع الورود الحمراء على الناس في الشوارع. ولكن زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، الذي أخرجته استطلاعات الرأي عن طوره، فسعى إلى الظهور بالقرب من حائط البراق وكأنه يتوسل السماء أن تمنحه النصر بعدما فقد الثقة بنصر يأتيه من الناس.
ومع أن استطلاعات الرأي تمنح كديما حتى آخر لحظة تفوقا كبيرا على خصومه يزيد على ما تمنحه للعمل والليكود مجتمعين، إلا أن هذه الاستطلاعات أقلقت زعماء هذا الحزب. ولقيت أمس وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي تعتبر <<نجمة سياسية>> شعبية، أول درس لها في الاحتكاك بالجمهور، إذ أخرجها رجال الأمن بصعوبة من جولة لها في أحد أسواق القدس المعروف بشدة انتماء باعته لليمين الإسرائيلي. وكانت ليفني قد اعترفت بأن أولمرت تسرع عندما أعلن أن نتائج الانتخابات مضمونة وأن تشكيل كديما للحكومة المقبلة مؤكد.
وتتجه مخاوف كديما اليوم نحو احتمالين قد يتحققان سويا أو يتحقق أحدهما على الأقل، أولهما أن تتحقق نبوءة بيرتس ويحقق حزب العمل نجاحا ملحوظا بحصوله على ما بين 2624 مقعدا في الكنيست. أما الثاني فهو نجاح قوى اليمين في نيل نصف مقاعد الكنيست الأمر الذي يسمح لها بتشكيل كتلة مانعة تحول دون كديما وتأليف الحكومة المقبلة.
ويعني فوز حزب العمل بمثل ذلك العدد من المقاعد، ترسيخ زعامة بيرتس لحزب العمل وبالتالي عدم المراهنة على تمزقه. كما أن فوز العمل بهذه المقاعد يجعله شريكا قويا لكديما في أي حكومة مقبلة بما ينطوي عليه الحصول على حقائب وزارية رئيسية باتت موزعة على أعضاء في كديما.
أما تشكيل كتلة يمينية مانعة فهو خطر يخشاه قادة كديما لأنه يفقدهم واحدا من اثنين: الأول إمكان تشكيل الحكومة المقبلة، والثاني الحيلولة دونهم وتنفيذ برنامجهم السياسي. ومعروف أن كديما ميز نفسه عن الآخرين ببرنامج الفصل من طرف واحد والوعد برسم الحدود النهائية لإسرائيل في الولاية المقبلة.
وأيا تكن الحال فإن نتائج الانتخابات التي ستتبدى مساء اليوم قد تنتج مفاجأة يراها الجميع في الحيلولة دون كديما وتغيير النظام السياسي في إسرائيل. ومن المنطقي الافتراض أن الاستثمار الذي وضعته الإدارة الأميركية في كديما قد يكون عرضة لخطر شديد. فمنع كديما من تحقيق مطامحه السياسية يعني اضطرار أميركا لبلورة سياسة جديدة في ظل وضع مجهول يسيطر فيه اليمين، بقدر كبير، على الحياة السياسية الإسرائيلية وتسيطر فيه حماس على الحكومة الفلسطينية.
كما أن مفاجأة من قبيل تمكين حزب العمل من فرض شروطه على كديما إذا تمكن الطرفان من تشكيل الحكومة المقبلة، سوف تعني بين أمور أخرى رفض فكرة الحل من طرف واحد.
المهم إن الناخب الإسرائيلي يصل صناديق الاقتراع في وقت يبدو فيه الناخب الروسي الأقرب إلى تحديد وجهة إسرائيل أكثر من أي ناخب آخر. فهذا الناخب يشكل الكتلة الأكبر والأكثر انسجاما مع نفسها ومن الجائز أنها ستميل سواء قسمت قوتها بين حزبين أو اختارت التصويت لإسرائيل بيتنا، إلى معسكر اليمين. وإذا صح هذا التوقع فإن احتمالات تشكيل قوة مانعة تغدو حقيقية بعد إعلان حركة شاس والليكود عن رغبتهما في تشكيل كتلة مماثلة.