إشكالية المشهد السياسي في سوريا، هذه الأيام، تكمن في أنه لم يستقر بعد، على خارطة سياسية واضحة المعالم و الأهداف. فكل معارضة سورية، حديثة الولادة، تدق مسماراً في نعش المعارضة التي سبقتها في الإعلان و التوقيت. ظهر هذا الأمر جلياً، على الأقل، في مواقف و ردود أفعال رموز " إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي في سوريا " إثر إعلان جماعة الإخوان المسلمين و عبد الحليم خدام مع بعض القوى الليبرالية و الكوردية تأسيس " جبهة الخلاص الوطني " في العاصمة البلجيكية بروكسل في في السابع عشر من الشهر الجاري.

موقعو إعلان دمشق استندوا في تحفظاتهم على اجتماع بروكسل من منطلق، عدم مشاورة جماعة الإخوان المسلمين لهم، وفيما يتعلق بالتعامل مع عبد الحليم خدام. السيد رياض الترك صرح بوضوح عن شكوكه في شخصية خدام وخلفياته و عبر عن عدم ارتياحه من التحركات الإخوانية بشكل منفرد. و تلمس نبرة صوته في مواقف الأخرين. حيث أكد حسن عبد العظيم المتحدث باسم التجمع الوطني الديمقراطي، تنصل قوى " إعلان دمشق " من " اتفاق " بروكسل. و من المتوقع أن يتم الإعلان عن الموقف النهائي في الشهر القادم عند اجتماع اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق. أما بالنسبة الى القوى الكوردية فهي، كالعادة، لم تعلن عن موقفها من إنشاء " جبهة الخلاص الوطني " في بروكسل، بالرغم من الأنباء التي تحدثت عن حضور بعض القوى الكوردية في الاجتماع، و ذلك لأن العديد منها منضوية في إعلان دمشق، و ملتزمة بأجندته المرحلية و المستقبلية.

" إعلان دمشق " في الداخل و " جبهة الخلاص الوطني " في الخارج لم يكونا التحركين الوحيدين في الفترة المنصرمة لاقل من نصف عام و إنما عقد العديد من المؤتمرات و الاجتماعات التشاورية كان أخرها، المؤتمر الكوردي الذي نظم في إحدى قاعات مجلس الشيوخ الأمريكي في الشهر الجاري، تحت عنوان " الحقوق القومية و الإنسانية للشعب الكوردي و تحقيق الديمقراطية في سوريا "، و اسفر عن اتخاذ قرارات مهمة في اتجاه تعزيز الوجود الكوردي في المعادلة الوطنية الديمقراطية في سوريا، انطلاقا من حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه، بما يضمن الاعتراف الدستوري و رفع المظالم العنصرية عن كاهله في إطار، نظام ديمقراطي يكفله الدستور و سيادة القانون. المهم أن هذا المؤتمر كرس أيضاً من جهته، بداية معارضة كوردية، بنفس شعبي كوردي في سوريا، الى جانب المعارضات الموجودة، و عكس اختلافا جوهرياً بين الطيف الكوردي مع باقي التيارات السورية، التي تمتلك رؤية محددة لحل القضية الكوردية في سوريا، تتمثل في إطار المساواة في المواطنة، و ليس على اساس الاعتبارات التاريخية و الجغرافية، كما يطالب بها الكورد في سوريا.

بيد أن تكاثر المحاور و الجبهات المعارضة في سوريا لم يأت من عدم أو من فراغ، كما يقال، و إنما هو وليد و نتاج مناخ سياسي تشكل على امتداد عقود، يتمثل، أساساً، في غياب الهامش الديمقراطي في تعاطي القوى السياسية السورية مع بعضها البعض، بالاستناد الى إرث موغل في تقاليد الإقصاء و إنكار حق الأخر في التعبير عن آرائه و تصوراته، حيال مستقبل التغيير الديمقراطي في البلاد. مما يعني أن البلاد، و خاصة على مستوى القوى التي تسعى الى التغيير " الديمقراطي " لم تأخذ حصتها من الحوار الوطني، الضروري، كخطوة أساسية للانطلاق الى مرحلة الصياغات البرامجية و تثبيت البرنامج الوطني للتغيير الديمقراطي، الذي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار، مصالح جميع ابناء الوطن السوري و أطيافه.

و لعل إعلان رموز " إعلان دمشق " عن مواقفهم – التي تميل للرفض – من اجتماع بروكسل، بشكل شخصي و نبرة انفعالية و دون سابق تنسيق مع القوى المنضوية فيه، شكل دليلاً ساطعاً على غياب طقوس الحوار السياسي، حتى في إطار الطيف أو المحور الواحد، ناهيك على المستوى العام برمته.
إذاً، نحن أمام معارضات سورية، بكل معنى الكلمة، و ليست معارضة واحدة، و إن كنا لا نلمس الكثير من الاختلاف و التباين فيما بينها. و الحال أن هذا الوضع سوف يترك أثراً في عمل و مستقبل العمل السياسي المعارض في البلاد للمرحلة المقبلة، على اعتبار أن، كل تبعثر في جهود توحيد اطياف و مفردات العمل السياسي سوف يخلق،لا محالة، صعوبات إضافية في مواجهة السلطة السياسية القائمة التي تحاول من جهتها الاستفادة من كل خلل تعترض مسيرة تنحيتها سواء في الداخل أو الخارج.